بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
الحياة جُبلت على التعاون بشتى صوره، فلا يمكن أن تستقيم دون تعاضد البشر، إنه أحد مقوماتها وركائزها الأساسية؛ فبالتعاون تنمو الأوطان، وتزدهر الدول، وتقوم الحضارات. ولهذا جاءت الكتب السماوية حاثةً على التعاون بجميع أشكاله، متجسداً في الأخلاق النبوية والبشرية على اختلاف أصنافهم ومللهم وأديانهم.
الطبيعة البشرية في جوهرها تميل إلى التعاون والعطاء منذ الصغر، إذ تنمو هذه القيم في النفوس بحسب ما تتغذى عليه، فتزدهر إذا رُويت بماء العطاء العذب، وتذبل إذا سُقيت بماء الأنانية الآسن، إن الإنسان بفطرته يميل إلى التشاركية أكثر من الفردانية – وهي النزعة إلى تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، فهو يحب الخدمة ومد يد العون لمن يحتاج، ويشعر بالرضا النفسي عند فعل الخير.
هذه القيم والأخلاق النبيلة جسدتها الرسالة الربانية في القرآن والسنة في مواضع عدة، يقول الله تعالى في سورة البقرة: “وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ”. وفي الحديث النبوي الشريف: “من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” [رواه مسلم].
ولنتأمل في قصة موسى عليه السلام، حين خرج مطارداً من فرعون، يقول الله تعالى: “وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ” [القصص: 23]، رغم حالته كمطارد وجائع قام موسى بمساعدة المرأتين، مظهراً الشهامة والمروءة، يقول الله تعالى: “فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ” [القصص: 24].
وبعد هذا العمل التطوعي، جاءت المكافأة الإلهية. تقول الآيات: “فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” [القصص: 25].
هكذا وجد موسى عليه السلام الأمان والرزق بعد عمله التطوعي، فقد عرض عليه الشيخ الكبير – وهو نبي الله شعيب عليه السلام – أن يعمل عنده مقابل أن يزوجه إحدى ابنتيه، وهكذا تحولت حياة موسى من مطارد خائف إلى آمن مطمئن، بفضل الله ثم بفضل عمله التطوعي الخالص.
إن أعمال التطوع مجلبة للخير ونور للحياة، فمتى نمت هذه الخصلة الجميلة في وطن، أشع معها الخير ونزلت البركة، وهي متنوعة لا تعد ولا تحصى، من أبسطها إماطة الأذى عن الطريق، إلى أعقدها في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة.
المملكة العربية السعودية منذ نشأتها جعلت التعاون والأعمال التطوعية من أولوياتها، ولهذا تضمنت رؤية 2030 هدفاً إستراتيجياً للوصول إلى مليون متطوع. وقد فرضت ساعات تطوعية على طلبة المرحلة الثانوية لغرس هذه القيم النبيلة.
لكن علينا أن نتذكر أن الأعمال التطوعية يجب أن تكون خالصة لوجه الله، بعيدة عن التشوف للمال أو المنصب أو الشهرة. فمتى ما عمل الإنسان هذه الأعمال الخيرة لأجل رضا ربه، حلت البركة ونفع الله بها.
في الختام، لِنسعَ جميعاً إلى المشاركة في الأعمال التطوعية، كلٌ حسب قدرته ومجاله. فلنبدأ اليوم بعمل تطوعي يسير، ولو كان كلمة طيبة أو ابتسامة صادقة، عسى أن نجد ثمرة أعمالنا عند مليك مقتدر.