طبيب في يوم العيد
نبض الحدث ـ بقلم الأستاذ ـ مشاري محمد بن دليلة ـ كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
في ضحى يوم عيد الفطر لعام 1445هـ الموافق 2024 م ، كنت في زيارة لمريض شفاه الله في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بمدينة الرياض ، ذلك المستشفى العظيم الذي أجد نفسي واقفاً احتراماً وتقديراً للكوادر العاملة به ، عندما ذهبت للمستشفى بعدما انتهينا من لقاءات الفرح والسرور مع أبنائنا ومن نحب ، وبينما كنت أتنقل بين ممراته كنت أنظر وأنا مدهوش لتلك الكوادر الصحية التي تعمل في يوم العيد ، استوقفني ذلك الموقف الجميل من تفانيهم في العمل وزاده جمالاً عندما وجدتهم يحتفلون في إحدى الغرف وقد أحضروا بعض الحلويات، فعايدتهم وامتلأ قلبي فرحاً وسروراً ،فهم كنجوم مضيئة في ظلمة الليل ، لم أجد من تلك الكوادر إلا البسمة مع المرضى والمعاملة الطيبة والاحترام للجميع، تأثرت بما رأيت ،فسال قلمي و أبحر فكري، إن هؤلاء بشر مثلنا ولديهم مشاعر دافئة تجاه أيام العيد والرغبة الجامحة أن يكونوا بين أبنائهم وأقاربهم وأحبابهم لكي يعيشوا ذلك اليوم العظيم يوم الفرح والسرور والبهجة والأنس والضرب بالدفوف، ولكن تركوا ذلك كله و جندوا انفسهم أن يكونوا بين المرضى يحيون النفوس ويكونون بلسماً لمن آلمهم المرض فيبذلون أنفسهم ولا يرجون إلا ماعند الله حتى وإن كانت وظيفتهم الرسمية التي هي مصدر رزقهم ولكن تلك الابتسامة التي رأيتها في الوجوه لاتكون إلا من أخلاق العظماء المتخلقة بالإنسانية وحب مساعدة الآخرين ، ونحن عند مريضي وإذا بهم يدخلون الواحد تلو الآخر يسألون عن المريض ويعايدونه ويطمئنون على حاله، وجدت نفسي صغيراً أمام تلك المشاعر الإنسانية النبيلة ، مازال قلمي لم يستطع أن يصف تلك المشاعر التي لامست قلبي فلو جلست على منضدتي أكتب حتى اليوم الآخر لجف القلم ومازال في الخاطر تجول المشاعر الصادقة تجاه الأبطال كبراء الهمة واسعي الأمل، ليتني كنت شاعراً فأكتب الأبيات والدواوين لهؤلاء الرحماء اللطفاء المتفانون المبادرون ، وبينما كنت أعيش تلك اللحظة الجميلة جال في خاطري ماذا يريد هؤلاء وإلى ماذا يصبون ويهدفون ويأملون ، هل يريدون الجاه والمنصب والمال كلا ، هل يريدون الرفعة في الدنيا كلا ، لم يأتِ في الخاطر إلا أن هؤلاء الأبطال لديهم من المشاعر الإنسانية والقيمة التكافلية تجاه البشرية الشيئ الكبير وهدفهم الأكبر بغية الأجر والثواب من رب العباد، هذه المشاعر رأيتها بنفسي وعايشتها مع استشاريين وممارسين صحيين في مملكتنا الحبيبة ، أولئك لهم مشاعر إنسانية مرهفة تجاه مرضاها فيبذلون وقتهم وجهدهم لأجل إحياء تلك النفس بعد توفيق الله، وعندما يتشافى ذلك المريض تجد السعادة تعلو محياهم وكأنهم انتصروا في معركة ، عشت مع تلك الكوادر في الميدان داخل وخارج المملكة يبذلون الساعات الطوال يصيبهم التعب ويبقون بين الإبرة و المشرط وغرفة العمليات، ومع ذلك تجد منهم الصبر والتفاني والإخلاص في العمل ،بل ويبذلون الساعات التطوعية الكثيرة لخدمة المرضى والمحتاجين ، إن هذه الوظيفة قد تكون سهلة بالمنطق والكتابة وحديث المجالس ولكن هي في الواقع توفيق واصطفاء من الله أن يسخرك لمساعدة الناس وقضاء حوائجهم فهي عبادة ومن أعظم العبادات ، ومن سار في قضاء حوائج الناس قضى الله عز وجل حاجته وذلك مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ” – رواه مسلم ، رسالتي إلى كل طبيب أقول هنيئاً لك هذا الاصطفاء من الله ، هنئياً لك أن تكون بلسماً للجراح ، هنئياً لك التوفيق لذلك العمل المبارك، كم من الدعوات وصلت إليك ، كم من الشكر قدم لك ، كم من دمعات كفكفتها،كم من مريض قد آلمه المرض وضج به مضجعه فكنت له بعد الله مهجعاً في نومه ، ليتني كنت من هؤلاء الأبطال فأخفف الأوجاع وأرسم الابتسامة على الشفاه ، ولكن ما حسبي ومن مثلي إلا أن يلهج لهم بالدعاء والتوفيق، إذ كان هدفهم تحسين جودة الحياة وأن يعيش الناس بالسعادة ، تلك الكوادر ماكنت لتعمل لولا توفيق الله ثم دعم قيادتنا وحكومتنا الرشيدة التي جعلت صحة المواطن والمقيم أولاً على هذه الأرض المباركة ، دولة عظيمة قد هيأت المنشآت الصحية وأوجدت الكوادر الطبية ورصدت الموازنات السنوية وساهمت في تعليم أبنائها محلياً وعالمياً العلوم الطبية الحديثة المتقدمة حتى أصبحت مفخرة بين الأوطان ومثالاً يحتذى به، ورأينا كيف قُدمت الخدمات الطبية في أزمة جائحة كورونا وتجاوزنا تلك المحنة بفضل من الله وتوفيقه ونحن في رغد عيش ، فنسأل الله أن يديم علينا أمننا وإيماننا وقادتنا وعلماءنا وكوادرنا الصحية وأن يجزيهم عنا كل خير .