نبض الحدث ـ متابعات
في أعقاب مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب-29) الذي عُقد مؤخراً في باكو في أذربيجان، لا تزال مسألتا التغيّر المناخي والاستدامة محط اهتمام عالمي. بيد أن الذكاء الاصطناعي يُبشر بحلول من شأنها أن تخفف من التحديات التي يطرحها التغيّر المناخي، رغم استهلاكه لكميات كبيرة من الطاقة. من هذا المنطلق، سلطت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي الضوء على عدّة طرق يمكن للذكاء الاصطناعي من خلالها المساعدة في تعزيز الاستدامة والتخفيف من أبرز الآثار الناجمة عن التغيّر المناخي، إلى جانب تعزيز كفاءة الذكاء الاصطناعي وفعاليته والحد من كمية الطاقة التي يستهلكها.
- الحد من استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة
يستهلك الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من الطاقة، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب عليها ويطرح تحديات كبيرة أمام مراكز البيانات التي تسعى إلى تلبية احتياجاتها من الطاقة. وبيّنت تقديرات أبحاث “جولدمان ساكس” أن الطلب على الطاقة في مراكز البيانات سيشهد نمواً مطرداً بنسبة 160% بحلول العام 2030.[1]
لمعالجة هذه المشكلة، أطلقت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي العديد من المبادرات والمشاريع البحثية، إلى جانب تركيزها على مجالات ذات صلة، مثل تصميم الأجهزة والبرمجيات. وقد سلطت الجامعة الضوء، بناءً على أبحاثها في هذا المجال، على أهمية تحسين كفاءة هيكليات الحوسبة التقليدية، مثل وحدات معالجة الرسومات ووحدات معالجة تينسر. كما يسعى فريق من الباحثين في الجامعة لإيجاد الطرق المناسبة للحد من الهدر ونشر الموارد بكفاءة أكبر في الطبقات العليا، وتحقيق الاستدامة في عملية تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي وتطبيقها.
هذا وعملت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي على تطوير نظام تشغيل الذكاء الاصطناعي الخاص بها بهدف تقليص استهلاك الطاقة والبصمة الكربونية وخفض تكلفة إنشاء نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي واعتمادها.
- حماية الغابات والموائل الطبيعية في العالم بواسطة الذكاء الاصطناعي
شهدت الأراضي المغطاة بالأشجار تراجعاً بحوالي 488 مليون هكتار من مساحتها بين عامي 2001 و2023، أي بنسبة 12% منذ العام 2000.[2] تواجه السلطات، لا سيما في الدول التي تمتد على مساحات واسعة مثل الهند والبرازيل، تحديات تكمن في مراقبة الغطاء الشجري لاكتشاف الممارسات غير القانونية لقطع الأشجار أو تمهيد الأراضي وإزالة الغطاء النباتي منها. من هذا المنطلق، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في مراقبة الأراضي باستخدام الرؤية الحاسوبية وتكنولوجيا التعرف عليها، مما يتيح تقييمها بسرعة ودقة والإبلاغ عن كيفية استخدام الأراضي.
وفي إطار سعيها لحل هذه المشكلة، طوّرت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي أداة جيوتشات+ (GeoChat+) التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة والتنمية والتخطيط باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. ويتيح هذا الحل، الذي يُعتبر أول نموذج لغوي-بصري كبير Large Vision Language Model (LVLM) مصمم خصيصاً لحالات الاستشعار عن بُعد، والتحديد الدقيق للمناطق الجغرافية التي تظهر في صور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار. كما يساهم في إنجاز العديد من المهام، مثل المسح الكمي والتحقق من حجم المباني والمجمعات وتفاصيلها وتقييم الأضرار التي لحقت بالممتلكات جراء الكوارث أو غيرها من الأحداث.
- توزيع الطاقة بكفاءة
في قطاع الطاقة، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين العمليات وزيادة الكفاءة وتعزيز الاستدامة. ويتسم هذا الدور بأهمية كبرى لاسيما مع طرح المزيد من مصادر الطاقة المتنوعة، بما في ذلك الطاقة الشمسية على أسطح المنازل ومصادر الطاقة المتجددة على مستوى المرافق. في الوقت نفسه، تحرص الحكومات على تشجيع المستهلكين والشركات على التمعن في طريقة استهلاك الطاقة، وذلك للحد من الطلب المرتفع والمساعدة في توفير شبكة ثابتة تمد الجميع بالطاقة.
في هذا الإطار، يطوّر فريق في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي حلول الذكاء الاصطناعي لشبكات الطاقة الذكية من خلال استخدام تقنية تُعرف بالتعلّم الموحد لتدريب نموذج تعلّم الآلة، مما يتيح لها تحديد أنماط استخدام ملايين السكان للطاقة وفهمها، من دون المساس بخصوصية البيانات، الأمر الذي يسمح بدوره لمزودي الطاقة بتوزيع الطاقة بكفاءة وموثوقية أكبر.
- الزراعة والأمن الغذائي
باتت أزمة التغيّر المناخي تؤثر اليوم أكثر من أي وقت مضى على قطاع الزراعة، إذ تسببت بموجات جفاف وموجات حر وأمطار غزيرة أدت إلى إتلاف المحاصيل وتراجعها. لمواجهة هذه المشكلة، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة المحاصيل وتعزيز الأمن الغذائي وتحسين الموارد المستخدمة في الزراعة. كما يمكن للطائرات بدون طيار، المزودة بأجهزة استشعار تعمل بالذكاء الاصطناعي، مراقبة المحاصيل واكتشاف الأمراض التي تعاني منها ونقص المغذيات فيها في مرحلة مبكرة، مما يتيح التدخل المبكر لمعالجتها. أما خوارزميات تعلّم الآلة فقد ساهمت في تحليل أنماط الطقس وبيانات التربة لتوفير بيانات حول الزراعة الدقيقة. كما تمكّنت الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعي من مساعدة المزارعين في مراقبة محاصيلهم وحمايتها ونقل المنتجات والأدوات التي يستخدمونها في المزارع.
تشكّل هذه المجالات محط اهتمام قسم علم الروبوتات في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إذ يسلط البروفيسور ديزين سونغ، نائب رئيس قسم علم الروبوتات والأستاذ المحاضر فيه، الضوء على التأثير المحتمل للروبوتات على قطاع الزراعة، مبيناً استخدامات الذكاء الاصطناعي في قطاع الزراعة والتي تمتد من المسح الميداني للأراضي للزراعة وصولاً إلى تقدير عدد المحاصيل التي من المحتمل حصادها في موسم معيّن. بالتالي، تساهم الروبوتات المستخدمة في تنفيذ عمليات مسح الحقول، في خفض أعداد العمّال والتكاليف المترتبة عن ذلك.
الجدير بالذكر أن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كانت قد وقّعت مذكرة تفاهم مع شركة “سلال” تتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، والتي تهدف إلى تطوير نظام وطني شامل يقوم على تمكين الإنتاج الغذائي المستدام باستخدام التقنيات الحديثة وعلى تعزيز الإنتاج المحلي.
- التخفيف من آثار ارتفاع درجة الحرارة حول العالم
فيما يؤدي التغيّر المناخي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل متزايد في مختلف أصقاع العالم، بات من الضروري أن يعمل مخططو المدن والبلديات على إيجاد طرق لخفض درجات الحرارة، لاسيما في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية، والتي يمكن أن تتحول بسهولة إلى مراكز لتجمع الحرارة، مما يجعلها غير صالحة للعيش خلال موجات الحر الشديد.
وإدراكاً منها لدور الذكاء الاصطناعي في التخفيف من هذه الآثار، تعمل جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع شركة “آي بي إم”، على إيجاد حلول مدعومة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن الجزر الحرارية الحضرية، وهي مناطق داخل المدن تشهد درجات حرارة أعلى بكثير من البيئات الريفية أو الطبيعية المحيطة بها. ومن خلال الكشف عن هذه المناطق وتحليلها، سيساعد هذا الحل مخططي المدن والبلديات والسكان على التخفيف من أبرز التداعيات الناجمة عن الجزر الحرارية، مما يجعل بيئة المدن أكثر ملاءمة للعيش لاسيما في ظل الظروف المناخية غير المتوقعة.