بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
إن سر تقدم الأمم وازدهارها يكمن في استثمارها المستمر في البحث العلمي، مما يُعزز مكانتها عالميًا ويحسن جودة حياة شعوبها. فالبحث العلمي هو المحرك الرئيس للابتكار والتطوير، ويسهم في تحويل المعرفة إلى ثروة اقتصادية، وإدراكًا لأهمية ذلك وضعت المملكة العربية السعودية البحث العلمي في صميم أولوياتها لتعزيز التنمية المستدامة.
إن البحث العلمي هو خطوات متتالية تهدف إلى فحص مشكلة معينة تحتاج إلى حل، وقد تكون بحوثًا تطبيقية تهدف لحل مشكلة في المنظمة أو تطوير، أو تكون بحوثًا أساسية للإثراء المعرفي أو أسئلة يود الباحث الإجابة عنها، ولا بد للبحوث أن تكون هادفة وقوية ودقيقة وموثوقة وموضوعية وبسيطة واقتصادية مع إمكانية الاختبار والتكرار وتعميم النتائج، فالبحوث تنطلق من مشكلة وفرضيات وبيانات وتنتهي بالاستنباط واختبار صحة الفروض والتوصيات.
يتميز البحث العلمي بكونه هادفًا، دقيقًا، موثوقًا، وموضوعيًا، ويسعى دائمًا إلى تقديم نتائج قابلة للتعميم والاختبار. فعلى سبيل المثال، يمكن لبحوث علمية محددة أن تسهم في تحديد الاحتياجات الفعلية للمجتمعات المحلية، مما يسهل في تطوير البرامج والمبادرات اللازمة، أيضًا يمكن استخدام تقنيات بحثية متنوعة مثل الملاحظة، المقابلات، ودراسات الحالة لتعزيز فاعلية البرامج المصممة.
إن البحوث العلمية في أصلها عميقة ونتائجها مؤثرة إذا بنيت على أساس علمي، وتسهم بشكل مباشر في التطوير والتنمية، وهي تكون بعيدة عن الآراء الشخصية، وقد أسهمت في إحداث تحول جذري في الحياة المدنية، مما يجعلها محركًا رئيساً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك القطاع غير الربحي.
فمع انطلاق رؤية المملكة 2030، كان من أهدافها تمكين القطاع غير الربحي لتحقيق أثر أعمق، وهذا يتطلب من العاملين أن تكون أساسات بنائهم للقطاع تستند إلى قوة وأرض صلبة لا إلى التجارب الشخصية، فمع ازدياد المؤسسات المانحة والجمعيات أضعاف ما كانت عليه قبل الرؤية، كان لزامًا على القطاع غير الربحي أن يتجه نحو البحوث والدراسات التي ترسم له خارطة الطريق للتدخلات التنموية في مملكتنا الغالية، في شمالها وجنوبها ووسطها وشرقها وغربها، كما يجب دراسة الاحتياجات التي تعزز تحسين جودة الحياة، تختلف الحاجات التنموية من منطقة إلى أخرى بشكل كبير، فما قد تكون الأولوية فيه الصحة، قد بكون التعليم في منطقة أخرى. ولذلك، فإن إجراء دراسات ميدانية شاملة هو أمر لا بد منه لتحديد هذه الحاجات بدقة ووضع الخطط المناسبة لكل منطقة على حدة، كما يعد التعرف على التحديات التي تواجه هذه القطاعات أمرًا حيويًا، ومعالجة هذه التحديات تحتاج إلى حلول واقعية، بما في ذلك تطوير شراكات مع القطاع الأكاديمي أو الحكومي أو الخاص.
وهناك تجربة في إحدى المناطق بالمملكة أجريت فيها دراسة تنموية وكانت منطلقًا لمعرفة توجيه الدعم وفتح جمعيات تسهم في حل المشكلات الرئيسة، وهذا ما نحتاجه فكل منطقة لها خصائصها الجغرافية والديموغرافية وتحتاج إلى بحوث ودراسات معمقة لتحديد التدخلات حسب أولوية الاحتياج، إن بعض القطاعات غير الربحية قد أغفلت مراكز البحوث والدراسات وارتكز بناؤها على الاعتبارات الشخصية والتقليد للآخرين أو مطالعة البحوث البعيدة عن واقعها، ونتائجها في ازدياد في كل سنة، ولكن لم تكلف نفسها بدراسة لقياس أثرها التنموي وجدوى برامجها المقدمة لأصحاب المصلحة، وهل يمكن استمرارها في نفس سياق نشاطها الأساسي أم تتنوع بناءً على توصيات الدراسة.
ولهذا نوصي القادة في القطاع غير الربحي بالاهتمام بالبحوث والدراسات لإحداث أثر أعمق في برامجها التنموية.
ومما يجدر ذكره أن هناك العديد من الدراسات والبحوث التي أجريت في بعض القطاعات غير الربحية ساهمت بشكل مباشر في التنمية وإحداث أثر مجتمعي فعال، كما أن أدوات البحث التي يستخدمها الباحث من ملاحظة ومقابلة واستبانات وغيرها واطلاعه على دراسات سابقة وتحليل البيانات؛ سوف يخرج منها بنتائج تستفيد منها الجهة طالبة البحث، إذا كان الباحث متجردًا وموضوعيًا.
ولأهمية البحوث والدراسات في القطاع غير الربحي وانطلاقًا من رؤية 2030 في تعزيز التعاون المشترك بين القطاع الحكومي والقطاع غير الربحي أناشد معالي وزير التعليم يوسف بن عبدالله البنيان إلى أهمية وضرورة تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاعات غير الربحية، و أن تكون هناك خطط لتوجيه خريجي الجامعات أو المتطوعين أو الراغبين في الترقيات العلمية لعمل بحوث علمية تسهم في تطوير هذا القطاع، وذلك من خلال تشكيل لجان مشتركة بين الجامعات ومراكز الأبحاث والقطاع غير الربحي لتحديد أولويات البحث فإن هذا القطاع في حاجة إلى مزيد من الدعم والبحث لخلق بيئة تتسم بالتفوق والابتكار، مما يفضي إلى تأثير أكبر وجودة حياة أفضل.