قل لي من تصاحب أقول لك من أنت
بقلم/مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
النبي صلى الله عليه وسلم عندما بدأ دعوته اختار صحبته بعناية، الذين يأزرونه ويشدون من عضده وإذا اشتد عليه الخطب وجدهم سنداً له، ولذلك كثر أصحابه المخلصون وانتشرت رسالة رب العالمين، والإنسان منذ بدء الخليقة وهو مفطور على المصاحبة، فكل يصحب من يأنس معه ويرتاح إليه، ومع اتساع العالم وكثرة وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الواحد منا يستطيع أن يصحب من يريد في شتى بقاع الأرض، هنا يتبادر سؤال: من هم الأصحاب الحقيقيون الذين أتمسك بهم؟
يتنوع الأصحاب ما بين أقارب و زملاء مدرسة وعمل ومشروع وغيرها من التصنيفات، وقد يكثر عندك الأصحاب فتكون في حيرة، فأقول لك الصاحب الحقيقي هو ذاك الذي إذا حزبك أمر واشتد عليك أمر وقف معك في محنتك وإذا كنت في أمر سعيد فرح معك، هو من إذا غبت عنه تذكرته وودت أن تزوره، هو من يأمرك بالمعروف وينهاك عن المنكر، هو من تتبسط معه في الحديث وتفضي إليه بأسرارك فلا يفضيها لأحد، هو من إذا ألمت بك ضائقة مالية وجدته سندًا لك فتأوي إلى ركن شديد، هو من ينصحك ويشفع لك، هو من تسعد بصحبته في السفر فنفسه خفيفة وتجد السعادة في عينيه بصحبتك له، هو من إذا استأمنته على أهلك في سفر وجدته نعم الصاحب و الأمين، هو من إذا احترت في أمر ما وجدت عنده من المشورة ما تغنيك ويذهب إلى ما هو أكثر من ذلك فيدلك على من يشير عليك، لا يحسدك ولا يبغضك ولا يقاطعك لأجل دنيا ، إذا رآك مبتسمًا ابتسم معك، تجد في قلبه الصفاء تجاهك، دمث الأخلاق والأدب مترفع عن سفاسف الأمور، إذا كنت في مجلس رفعك وقدمك وأثنى عليك، لا يساوم عليك ولا يمكن يقطع علاقته بك يغفر الزلل وينسى الخطأ لا يكابر ولا يتكبر متواضع يعيش ما تعيشه وتجده كريمًا معك ويعطيك من الهدايا والعطايا حتى ترضى، يشاطرك اللقمة لا يعيب في شيء يخدم ولا يمنّ، ينظر إليك النظرة الأخوية لا نظرة المصلحة ، صادق في أقواله وأفعاله ما بداخله هو الذي بظاهره لا يكيد ويحفظ عليك عرضك، المال في يده لا في قلبه لم يأسره ولم يجعله يتحدث به في المجالس ، قويم اللسان مترفع عن القيل والقال وكثرة السؤال، وما أكثر الناس حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل، يعرفه أهل بيتك ووالديك لقربك منه فهو كحامل المسك كما أخبر عنه الصادق المصدوق عن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ : أَن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً )متفقٌ عَلَيهِ.
فهو كمسك في رائحته وكالجوهرة في جمالها إذا أخطأت غض الطرف ورأى محاسنك
وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ
جاءت محاسنُه بألفِ شفيعِ
فابحث عن الأصدقاء الحقيقيين ودع عنك غيرهم فهم المعدن الأصيل، ولست مطالباً بأن تصاحب كل من تعرف فالنفس البشرية لا يمكن أن تتوافق مع الجميع ومصداق ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).