آفاق التحول إلى الطاقة “الخضراء” في أوزبكستان
إدوارد رومانوف،مركز البحوث الاقتصادية والإصلاحات في أوزبكستان
وفي السنوات الأخيرة، أظهرت أوزبكستان زيادة مطردة في الاهتمام بتطوير مصادر الطاقة المتجددة والطاقة “الخضراء”، مدفوعة بأولويات الحكومة الاستراتيجية في التنمية المستدامة والأمن البيئي.
في قمة كوب 28 في دبي في ديسمبر 2023، قدم رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف عدة مبادرات تهدف إلى تسريع التحول “الأخضر”، مؤكداً على أهمية تنويع ميزان الطاقة في البلاد والحد من بصمتها الكربونية. وسلط الضوء على التزام أوزبكستان بزيادة حصة الطاقة المتجددة وتعزيز التنمية المستدامة، فضلاً عن تعزيز التعاون الدولي لدعم البرامج الوطنية والإقليمية.
في إطار أهداف التنمية المستدامة
لقد كان القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر/أيلول 2015 بعنوان “تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة 2030″، والذي يحدد 17 هدفاً للتنمية المستدامة، بمثابة دليل رئيسي للتنمية الطويلة الأجل في العديد من البلدان.
ومن بين الأهداف المتعلقة بالطاقة الهدف السابع الذي يهدف إلى ضمان حصول الجميع على خدمات الطاقة الحديثة والموثوقة وبأسعار معقولة بحلول عام 2030، وزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي بشكل كبير، ومضاعفة المعدل العالمي للتحسن في كفاءة الطاقة.
في أوزبكستان، يتم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وفقًا لقرارات الحكومة. في 21 فبراير 2022، تم اعتماد قرار “بشأن التدابير الإضافية لتسريع تنفيذ الأهداف الوطنية في مجال التنمية المستدامة للفترة حتى عام 2030″، والذي وافق على التدابير اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك زيادة كبيرة في حصة الطاقة المتجددة في ميزان الطاقة في البلاد ومضاعفة تحسينات كفاءة الطاقة بحلول عام 2030.
أولويات سياسة الطاقة
بالنظر إلى الديناميكيات المتوقعة للتنمية الاقتصادية في أوزبكستان حتى عام 2030، فمن المتوقع أن يبلغ نمو استهلاك الكهرباء السنوي حوالي 6-7٪. وفي الوقت نفسه، وفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن كثافة الطاقة في أوزبكستان أعلى بنحو 2.5 مرة من المتوسط في البلدان المتقدمة.
وفي هذا الصدد، تركز سياسة الطاقة في أوزبكستان على تحسين كفاءة الطاقة في جميع القطاعات الاقتصادية والمجالات الاجتماعية، فضلاً عن التبني الواسع النطاق لتقنيات توفير الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة.
في السنوات الأخيرة، اعتمدت الحكومة سلسلة من القرارات التي تهدف إلى خفض كثافة الطاقة بشكل كبير في مختلف القطاعات، وزيادة كفاءة الطاقة، وتشجيع الطاقة المتجددة. وتم تقديم تدابير الدعم الحكومي، وتمت مراجعة المعايير الحكومية والموافقة عليها لتعزيز كفاءة الطاقة.
في عام 2019، تم سن قانون “الشراكة بين القطاعين العام والخاص” وقانون “استخدام مصادر الطاقة المتجددة”، مما مكن من جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من الشركات العالمية الرائدة ذات التقنيات المبتكرة المتقدمة كمنتجين مستقلين للطاقة في سوق توليد الكهرباء. كما يوفر قانون “استخدام مصادر الطاقة المتجددة” لمنتجي الطاقة المتجددة العديد من المزايا والحوافز.
ونتيجة للتعديلات اللاحقة على القوانين التشريعية، تم تحديد أهداف طويلة الأجل لنشر الطاقة المتجددة، وتحديداً زيادة حصة الطاقة “الخضراء” إلى 40% من إجمالي توليد الكهرباء بحلول عام 2030، إلى جانب تدابير دعم الدولة لتنفيذها.
في عام 2022، وضعت وزارة الطاقة، بالتعاون مع بنك التنمية الآسيوي والبنك الدولي، خطة مدتها 10 سنوات لإمدادات الطاقة في أوزبكستان. ومن شأن تنفيذ هذه الخطة أن يؤدي إلى إنشاء قدرات طاقة إضافية بحلول عام 2030، بما في ذلك 5 جيجاوات من الطاقة الشمسية، و1.9 جيجاوات من الطاقة الكهرومائية، وما يصل إلى 3 جيجاوات من طاقة الرياح.
المساهمة في خفض الانبعاثات
إن أحد الجوانب المهمة في التحول “الأخضر” هو العمل على الحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي. وتتمتع أوزبكستان بإمكانات كبيرة لمزيد من خفض الانبعاثات. ومن الجدير بالذكر أن مركز البحوث الاقتصادية والإصلاحات أجرى دراسة لتقييم إمكانات أوزبكستان في خفض الانبعاثات حتى عام 2030 على أساس الأهداف الاستراتيجية.
وأظهر التحليل أن غالبية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أوزبكستان تأتي من استخراج الغاز الطبيعي ومعالجته ونقله.
علاوة على ذلك، مع النمو الديناميكي في عدد السكان والاقتصاد، من المتوقع أن يصل الطلب على الكهرباء في أوزبكستان إلى 120 مليار كيلووات/ساعة بحلول عام 2030.
وبناء على نتائج الدراسة، يعتقد الخبراء أن تلبية هذا الطلب من خلال طرق احتراق الغاز والفحم التقليدية سوف يتطلب 13.7 مليار متر مكعب إضافية من الغاز بحلول ذلك الوقت. ومع ذلك، إذا بلغت حصة الطاقة المتجددة 25٪ من إجمالي الإنتاج بحلول عام 2026، فإن هذا التحول نحو إمدادات الكهرباء “الخضراء” من شأنه أن يوفر كميات إضافية من الغاز ويمنع زيادة قدرها 37.4 مليون طن في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
الإمكانات لتحقيق الأهداف
ومن بين الإنجازات الرئيسية التي تحققت في إطار الأجندة “الخضراء” استقطاب كبار المستثمرين الدوليين، مثل شركة أكوا باور السعودية وشركة مصدر الإماراتية. وتنفذ هذه الشركات بالفعل مشاريع لبناء محطات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي ستوفر أكثر من 5 جيجاوات من الطاقة الإجمالية، وهو ما من شأنه أن يزيد بشكل كبير من توليد الطاقة النظيفة.
تشمل الاتجاهات الإيجابية في قطاع الطاقة المتجددة في أوزبكستان ليس فقط الجذب النشط لرأس المال الأجنبي والتكنولوجيا، ولكن أيضًا تحسين الإطار التنظيمي، مما يخلق الظروف المواتية لتسريع تطوير المشاريع “الخضراء”.
وفي السنوات الأخيرة، قدمت الحكومة مجموعة من الحوافز، مثل الإعفاءات الضريبية لمشاريع الطاقة المتجددة ودعم شراء المعدات، وهو ما يحفز نمو القطاع ويجذب الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ونتيجة لهذا، أصبح قطاع الطاقة المتجددة أكثر سهولة في الوصول إليه بالنسبة للمستثمرين من القطاع الخاص والجمهور، الذين أصبحوا مهتمين بشكل متزايد بتركيب الألواح الشمسية والمشاركة في برامج كفاءة الطاقة.
الخطط المستقبلية
وتطبق أوزبكستان خططا طموحة لتطوير الطاقة “الخضراء” ومصادر الطاقة المتجددة وتقنيات توفير الطاقة، بهدف زيادة حصتها في ميزان الطاقة الإجمالي بشكل كبير.
ويتم التركيز على إنشاء محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح باستخدام التقنيات المتقدمة، مثل الألواح عالية الكفاءة وأنظمة تخزين الطاقة، وهو ما سيساعد على استقرار إمدادات الطاقة وزيادة حصة الطاقة المتجددة خلال ساعات الذروة.
وفي إطار استراتيجية أوزبكستان طويلة الأجل، لا تهدف البلاد إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددة فحسب، بل تهدف أيضًا إلى تعزيز توطين إنتاج المكونات لمحطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومن شأن هذا أن يخلق فرص عمل جديدة، ويحسن الظروف الاقتصادية في المنطقة، ويضمن القدرة على الصمود في مواجهة تقلبات أسعار الطاقة العالمية.
وفي الوقت نفسه، تُبذل جهود كبيرة لتطوير البنية الأساسية لنقل وتوزيع الطاقة، مما يتيح إنشاء ممرات طاقة إقليمية وتحسين قدرات التصدير في البلاد. ويشكل الاستثمار في البنية الأساسية للطاقة مجالاً مهماً يفتح فرصاً جديدة للشركات العاملة في مجال بناء وإدارة البنية الأساسية للنقل.
في سياق نقص الموارد وارتفاع الطلب على الطاقة في آسيا الوسطى، فإن الاستثمار في مشاريع الطاقة المستدامة في أوزبكستان يوفر آفاقًا عالية للنمو على المدى الطويل وعائد على الاستثمار.
وبشكل عام، تشمل الاتجاهات الإيجابية في قطاع الطاقة المتجددة في أوزبكستان تدفقًا ثابتًا من الاستثمارات، وبيئة عمل مواتية، وتبني التقنيات الحديثة، وتحسين كفاءة الطاقة.
وتتجه البلاد نحو مستقبل مستدام للطاقة، والذي لن يلبي احتياجاتها المحلية فحسب، بل سيضعها أيضًا كلاعب مهم في سوق الطاقة في آسيا الوسطى.
خاتمة
تشتهر أوزبكستان بأنها دولة مشمسة، وهذا هو السبب الرئيسي لتطوير مثل هذه المنطقة الحيوية في توليد الطاقة المتجددة مثل محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية.
تتمتع الأجزاء الجنوبية الغربية والجنوبية والوسطى من الجمهورية بإمكانيات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية، وخاصة في مناطق نووي وبخارى وسمرقند وسرخندريا وجيزاخ.
قدر المعهد الدولي للطاقة الشمسية في أوزبكستان الإمكانات التقنية لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في أوزبكستان بأكثر من 3000 تيراوات/ساعة سنويًا، وهو ما يتجاوز بشكل كبير الطلب المتوقع على الكهرباء بحلول عام 2050.
وبحسب خبراء أجانب، تتمتع أوزبكستان أيضًا بإمكانات عالية في مجال طاقة الرياح في الأجزاء الشمالية الغربية والجنوبية الغربية من الجمهورية، وخاصة في مناطق قره باغستان وبخارى ونواوي. وفي “خارطة الطريق” التي وضعتها أوزبكستان للتحول إلى الطاقة منخفضة الكربون، تقدر إمكانات طاقة الرياح بنحو 500 جيجاوات.
في المستقبل، يمكن لأوزبكستان أن تصبح واحدة من الدول الرائدة في المنطقة في مجال التنمية المستدامة والاقتصاد منخفض الكربون. يتضمن هذا المسار مجموعة من الأهداف المعقدة والطموحة التي تهدف إلى تحسين البيئة ورفع مستوى معيشة السكان وضمان النمو الاقتصادي المستقر. ومن خلال نهج استباقي، تشهد البلاد بالفعل نتائج أولية في انتقالها إلى الطاقة “الخضراء” وتخطط لتحولات أعمق، بما في ذلك تحديث جميع القطاعات الرئيسية للاقتصاد.
تتجه أوزبكستان نحو إنشاء اقتصاد أنظف وأكثر ابتكارًا، مما يضع البلاد في موقع يسمح لها بأن تصبح رائدة في التنمية المستدامة في آسيا الوسطى.
إن تنفيذ هذه الخطط من شأنه أن يضع أسسًا قوية للأجيال القادمة، ويضمن الحفاظ على الموارد، ويفتح الفرص لمزيد من تطوير الصناعات “الخضراء” الجديدة، وتعزيز البحث العلمي والابتكار.