بقلم/ مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
إن الله عزوجل لما خلق آدم عليه السلام كان وحيداً ثم خلق حواء زوجة له لكي تؤنسه وتقضي حاجاته ويتناسلوا ، وهذا بلا شك من سنن الله الكونية فالعنصر البشري هو المكون الأساسي للمجتمعات ولا يمكن للأمم أن تتقدم إلا بهذا العنصر ولا يمكنها الحفاظ على جنسها وقيمها الحضارية إلا بالتكاثر من خلال تكوين الأسرة ، وانطلاقاً من هذه الحقيقة حثت الشريعة الإسلامية على الزواج وحددت للفرد الصفات التي يجب أن تكون عليها الزوجة الصالحة والتي من أهمها أن تكون ودودة ولطيفة في قولها ومعاملتها ومعاشرتها وبشاشتها، فهذه الصفات مدعاة لديمومة العلاقة ولإنجاب الأولاد الصالحين المفيدين لأمتهم ، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) .
إن الزواج فطرة إنسانية وركيزة أساسية لإيجاد الفرد الصالح والذي يكون النواة الأولى لإنشاء الأسرة ومن ثم المجتمع الكبير ولا يمكن لأي مجتمع أن يقوم بجنس واحد دون الآخر، والإنسان بطبعه مدني لا يمكن أن يستغني عن شريكة حياته مهما كانت الطبائع، فلا مفر لأحدهما عن الآخر؛ بل كل منهما يكمل الآخر ولهذا يجب أن تفهم عقولنا هذه الحقيقة، كما يجب أن نتفهم الطبيعة البشرية التي جعلها الله في خلقه وضرورة التكيف معها حتى لا يختل التوازن الكوني فيحدث الاختلاف والتفرقة التي تؤدي إلى تشتت الأسرة، فتطغى اللغة الفردانية والشخصية النرجسية والتي من الصعب أن تستمر بها الأسرة في ثبات ووئام.
إن دورة الحياة لا يمكن أن تستمر وتسير بتوازن من غير وئام وتوافق وتكاثر للعنصر البشري، ومن هنا يجب أن ندرك أنه لا يمكن للمرأة أن تعيش بدون الرجل وكذا الرجل لا يمكنه أن يستغني عنها مهما بلغا من الجاه والمال والعزة بالنفس، كما يجب أن يعملا على حل خلافاتهما بصورة حضارية وتحويل كل الظواهر السلبية إلى طاقات إيجابية حتى تستقيم الحياة، كما يجب عليهما التفكير في تنمية الأوطان وعمارة الأرض ،ولهذا يجب أن يكون الزواج هدفاً للجنسين ومن أولوياتهما في الحياة باعتبار أن الزواج مصدر من مصادر السعادة في الأرض وعنوان للاستقرار والرحمة والسكن والمودة والتعايش والتكامل ، كما تعد مرحلة الزواج مرحلة مهمة في حياة الإنسان فهو ينتقل من مرحلة الاعتماد على الوالدين والأسرة إلى مرحلة الاستقلالية، فيعتمد على نفسه وبالتالي يستطيع أن يخطط لحياته وأسرته الصغيرة ومن ثم الإحساس بالاستقرار النفسي والعقلي فتنفجر طاقته الإبداعية فيفيد أسرته ومجتمعه .
إن ميثاق الزواج هو من أوثق العقود ولذلك سماه القرآن الكريم ميثاقاً غليظاً، يقول تعالى في سورة النساء الآية ٢١(وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) وذلك لعظمته ومدى أهميته وهو عهد أخذ على الزوج والزوجة في حق الصحبة والمعاشرة بالمعروف، ومن مقتضيات الميثاق الغليظ حسن المعاشرة بين الزوجين، والصدق، والتضحية، والبذل، والوفاء والحب، والتفاهم ، ولين الجانب ،والابتسامة ، وحسن الظن ، ولنا في نبي الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وزوجاته قدوة في تعامله ولطفه ، كما لنا في آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا قدوة في التعامل ونراهم كيف يراعي بعضهم بعضاً إذا بلغ الكبر أحدهما واحتاج من يخدمه فتكون في المقدمة تلك الزوجة الحنون ، وكذلك تجد الزوجة ذلك الرجل الذي يفديها بنفسه وماله وكل عزيز لديه ، فنسأل الله أن يغفر لآبائنا وأمهاتنا كما ربيانا صغاراً، وأن يجعلهم في جنات النعيم ، كما نسأل الله أن يحفظ شبابنا وبناتنا وأن يكتب لهم التوفيق وأن ييسر لهم الزواج ويكتب لهم الوفاق ليكاثر بهم نبينا صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة.