نبض الحدث ـ متابعات
أكد معالي رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الدكتور عبدالمجيد البنيان, أهمية تنمية القدرات البشرية في المنطقة العربية كأحد أهم الوسائل لمحاربة الجرائم المرتبطة بالفساد وغسل الأموال والاحتيال المالي، مشيراً إلى أن العديد من الدراسات العلمية أظهرت أن الدول التي تستثمر في “تنمية القدرات البشرية “تشهد تحسنًا ملحوظًا في مؤشرات النزاهة والشفافية وهذا ما يتفق مع المتوقع كون القوة العاملة المدربة والخبيرة أقدر على الوقاية من هذه الجرائم والكشف عنها والتحقيق فيها وصولًا للتعامل مع التحديات القانونية المرتبطة باستعادة الأصول.
وبين معاليه, خلال مشاركته المعنونة بـ “بناء القدرات البشرية في مكافحة الفساد والاحتيال ” في أعمال الملتقى العربي لهيئات مكافحة الفساد ووحدات التحريات المالية المنعقد في الرياض حالياً, أن برامج تنمية القدرات البشرية الفعالة تتسم بأنها برامج مخطط لها على المدى الطويل، وترتبط بإستراتيجية الموارد البشرية في المؤسسة، ومبنية على أدلة وبراهين وعلى دراسة حقيقية للاحتياجات، وتستهدف إكساب جدارات محددة بوضوح وقابلة للقياس والتقويم ويتم مراجعة هذه الخطط وتحسينها بشكل مستمر بناء على التغذية الراجعة من الجهات والأشخاص المستفيدين منها.
وأوضح معاليه أن هناك تحديًا كبيرًا أمام واضعي خطط بناء القدرات البشرية ومصممي ومنفذي هذه البرامج, لأنهم مطالبون بإعداد خبراء يتفوقون معرفة ومهارة على أكثر العصابات الاجرامية معرفة ومهارة, فكما هو معروف فإن الجرائم التي نحن بصددها تتسم بأنها معقدة، ويقف خلفها عصبات منظمة عابرة للحدود، تستخدم الفضاء السيبراني والتقنية في تحقيق أغراضها الإجرامية وتفادي كشفها أو تعقب الأصول التي نهبتها, مضيفاً أن هذا السباق التاريخي بين الأخيار والأشرار بين أجهزة إنفاذ القانون وعصابات الجريمة المنظمة, يتطلب أن تتفوق فيه أجهزة انفاذ القانون بأميال وليس خطوات بسيطة وذلك من أجل استباق تحركات العصابات المنظمة ونواياهم في التشكل أو التأقلم مع المستجدات, وتوقع التحولات والتبدلات في طريقة عملهم، والتحالفات التي باتت تنشأ وتتفكك فيما بين الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وتهريب المهاجرين والاتجار بالأشخاص.
وقال البنيان ” إن هذا المستوى من الاحترافية لاشك يتطلب توافر عاملين يمتلكون مصفوفة المهارات والمعارف المناسبة لمواجهة هذا النوع المعقد من الجرائم وفي ذات الوقت يتابعون باستمرار أحدث المستجدات والمتغيرات ويمتلكون معرفة وافية بالوسائل التقنية وأوجه استخداماتها المناسبة وفوق كل ذلك لديهم القدرة على الإبداع والابتكار لأنهم أمام عصابات ليس لديها فرصة للبقاء إلا إن ابتكرت في أساليبها الإجرامية, وكل ذلك يعني أننا بحاجة لبرامج تعليم وتدريب غير تقليدية قادرة على تأهيل وتطوير نخبة من الخبراء العاملين على خطوط المواجهة في الأجهزة المختلفة المعنية بمكافحة هذه الجرائم, وهذه البرامج يجب أن تعتمد على فلسفة تضع المتعلم في محور العملية التعليمية والتدريبية وينفذها أساتذة ومدربون أنفسهم خبراء في مجالاتهم قادرين على نقل ما يحدث في العالم الحقيقي إلى القاعة الصفية.
وأضاف :” كما أن من أفضل أنواع التدريب تلك التي تنتهي بتقييم للمتدرب يجريه طرف محايد وينتج عنها حصول المتدرب على شهادة مهنية, إضافةً إلى أن خطط بناء وتطوير القدرات البشرية لا يجب أن لا تغفل أهمية تنمية واكساب منظومة القيم الوطنية والمؤسسية المستهدفة والمتفق عليها, وهذه القيم تمثل المرجعية التي تحدد للعامل قرارته الأخلاقية وتمنحه في ذات الوقت الدافعية للعمل من أجل أهداف أسمى من مجرد التطور المهني وهو الطموح المشروع بل المطلوب, إلا أن تبني العامل لهذه القيم في الغالب هي من تجعله أو تجعلها يعمل إلى ساعة متأخرة من الليل بهدف مكافحة هذه الجريمة لأنه أو لأنها تعلم بأن تلك العصابة تمنع تنمية البلاد وتنهب مقدراته وتشوه سمعته, وأن هذا الشغف والتفاني في العمل هو عامل رئيسي في تفوقنا على عصابات تعمل ليل نهار من أجل تحقيق أهدافها الإجرامية”.
وتطرق معاليه إلى التطورات التقنية الهائلة في الفترة الأخيرة التي أدت إلى تحول كبير في القطاع المالي والاقتصادي وأتاح فرص عظيمة لأجهزة إنفاذ القانون مكنت من تطوير طرق وآليات مواجهة الجريمة إلا أنها في ذات الوقت وفرت للمجرمين وسائل جديدة أكثر تعقيدًا لتحقيق مآربهم منها, على سبيل المثال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإخفاء الأنشطة غير القانونية.
وفي هذا السياق، أكد أهمية بناء القدرات البشرية كعامل حاسم في مواجهة هذه التحديات المرتبطة بتطورات التقنية, لذلك ينتظر من العاملين ليس فقط فهم الأساليب التقليدية لمكافحة الفساد وغسل الأموال والاحتيال المالي، بل أيضاً القدرة على توظيف التقنيات الجديدة التوظيف الفعال من أجل مواجهة الجريمة بشكلها المستجد, مشيراً إلى أن تطوير المهارات في استخدام أدوات التحليل البياني المتقدم والبرمجيات القائمة على الذكاء الاصطناعي أصبح ضرورياً لتحليل البيانات الضخمة وتفسير الأنماط لكشف عمليات غسل الأموال في مراحلها المبكرة والتصدي للأنشطة الاحتيالية بفعالية, مؤكداً أن هذه التطورات يجب أن تنعكس على خطط تطوير وبناء القدرات البشرية في مؤسسات إنفاذ القانون.
وأبان معالي البنيان, أن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في عام 2018 عند الإعداد لخطتها الإستراتيجية 2019 – 2023 أجرت مسحا للمنطقة العربية لاستطلاع الوضع القائم للبرامج الأكاديمية المتخصصة في إعداد خبراء في مجال الجرائم الاقتصادية بشكل عام, ولاحظت النقص في عدد ونوع البرامج المتاحة مقارنة بمناطق أخرى من العالم.
وقال :” استجابةً لهذا الاحتياج وانطلاقًا من كون الجامعة هي الجهاز العلمي لمجلس وزراء الداخلية العرب, فقد وضعت الجامعة الجرائم الاقتصادية ضمن أولوياتها وأطلقنا عدد من برامج الماجستير الهادفة إلى بناء الخبراء في هذا المجال من أهمها : برنامج ماجستير النزاهة المالية, بالتعاون مع جامعة ” كيس ويسترن ريزريف ” في الولايات المتحدة, الذي يستهدف تحديداً إعداد خبراء في مجال مكافحة غسل الأموال, وبرنامج ماجستير الجرائم الاقتصادية, الذي يقدم فهمًا عميقًا للفساد والاحتيال المالي، وبرنامج ماجستير الجرائم السيبرانية والتحقيق الجنائي الرقمي, ويركز على مكافحة الجريمة السيبرانية وتعقب الأنشطة المشبوهة عبر الإنترنت وبرنامج ماجستير الذكاء الاصطناعي الأمني, ويهدف إلى تسخير أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الأمن ومكافحة الجرائم المستحدثة”.
وأضاف ” نحن حاليًا ندرس إضافة برنامج ماجستير جديد في المحاسبة الجنائية وهو برنامج يستهدف تأهيل المحاسبين للكشف عن الممارسات المالية الاحتيالية، ويؤهلهم لإجراء تحقيقات ومراجعات مالية مفصلة تعتبر حاسمة في الكشف عن عمليات غسيل الأموال والفساد المالي ومنعها “, بالإضافة إلى أن الجامعة عززت العمل مع أهم الشركاء على المستوى المحلي والدولي حيث وقعت مذكرة تفاهم مع رئاسة أمن الدولة في عام 2019 وعززت من علاقتها مع هيئة مكافحة الفساد في المملكة العربية السعودية, بتوقيع المذكرة على هامش هذا الملتقى، فيما دخلت الجامعة على المسوى الدولي في شراكة مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة نتج عنها إنشاء مركز مشترك بين الطرفين في مقر الجامعة وهو مركز الخبرة الإقليمي لسياسات وإستراتيجيات مكافحة المخدرات والجريمة حيث يلعب المركز دور محوري في تعزيز الجهود المشتركة لدعم مساعي المجتمع الدولي والعربي في مكافحة الجريمة المنظمة والفساد وغسل الأموال، وكذلك لمواجهة تحديات القضايا الأمنية المعاصرة للأجهزة الأمنية العربية, ويرتكز عمل المركز على تنمية القدرات ودعم البحث والابتكار وزيادة وإثراء المعرفة والتوعية والتثقيف العام.
كما وقعت الجامعة مؤخرًا مذكرة تفاهم مع جمعية محققي الاحتيال المعتمدين الدولية (ACFE) والتي تعتبر أكبر منظمة عالمية تعمل في مجال مكافحة الاحتيال, مشيراً إلى أن الجامعة تقدم مجموعة كبيرة من البرامج التدريبية, في مجالات مرتبطة بمكافحة الجريمة المنظمة والسيبرانية والاقتصادية يستفيد منها المئات سنويًا.
وأشار البنيان، إلى أن تكلفة جرائم الفساد تبلغ أكثر من 2.6 تريليون دولار سنويًا، ويرتبط هذا الأمر بشكل مباشر بالأمن الوطني ورفاه وازدهار الدول، ويؤثر على سلامة النظام المالي وخطط التنمية, لذلك، نحن بحاجة إلى برامج فعالة لتنمية القدرات البشرية تتوافق مع احتياجاتنا في المنطقة العربية وتسهم في مكافحة هذه الجرائم.
وأبدى استعداد الجامعة للتعاون مع المؤسات العربية لتقدم خبراتها وإمكانياتها والتعاون في وضع برامج تنمية القدرات البشرية والإسهام في مكافحة هذه الجرائم, والاستفادة من التجارب الرائدة، مثل تجربة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ووحدة التحريات المالية برئاسة أمن الدولة.