أولى الملتقى الإثرائي الذي أقامه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) ضمن جلساته التي أقيمت أخيرًا أهمية لاستشراف مستقبل الكتابة والترجمة والرواية والشعر وغيرها من أنواع الأدب، بيد أن الترجمة لاقت اهتمام من المختصين والمترجمين وحتى المشاركون في برنامج أقرأ، حيث وصف المترجم الأكاديمي الدكتور بسام البزاز مستقبل الترجمة بأنه “قائم على فكر الإنسان ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بديلًا عنه”.
مستقبل الترجمة
وقال البزاز خلال الملتقى الذي استهدف 30 من المشاركين في مسابقة أقرأ بنسختها الثامنة ” لا أتصوّر مستقبلا من دون ترجمة أو بترجمة من صنع آلة ذكاء اصطناعي”، مشيرًا إلى أن الترجمة ستبقى نشاطا إبداعيّا لا يحسن التعامل معه إلّا فكرٌ حيّ عاقل متأثّر، في الوقت الذي اكد بأنها كالكتابة سواء بسواء و كأيّ عمل إبداعي، ومن المتوقع أن تشهد في المستقبل تطورات على آليتها دون الوصول إلى درجة الاستغناء عن المترجم، مضيفًا: “ربّما سيحلّون ويشاركون بما ينتج عنها من مشاكل الأسلوب الحرفيّ عبر تقديم بدائل وتوفير خيارات ليس أكثر في حين ستبقى البشرية باحتياج للترجمة ما دامت الكتب متعددة المصادر والمؤلفون متعددي المنشأ”.
تواطؤ مع النص
كما نوّه بأن التواطؤ في الترجمة يقود إلى الحديث عن عمق مسايرة الترجمة للنص وتواطؤها معه وهذا معيار يمسّ مقدار ما في الترجمة من حرفيّة ومقدار ما فيها من تحرر، وبحسب البزاز فإن الترجمة تتواطأ مع النص بقدر ما تسمح به اللغة التي نترجم إليها، موضحًا ” إذا وجدنا أن مسايرة النص كلمة بكلمة لا تلبّي الغرض المطلوب بحثنا عن خط أو خطوط موازية تقبلها اللغة ويتقبلها ذوق القارئ، فالتواطؤ بالمجمل هو أن تكون الترجمة حقيقيّة وتلبّي الشروط من حيث سلاسة في التعبير وتأدية للمعنى ونقل لروح النص الأصلي وأسلوبه وإحداث الأثر المشابه.
ناقل للثقافة
وخلصت جلسة “تواطؤ الترجمة” إلى أن ترجمة كتابٍ ما إلى لغة مغايرة يشترط أن ينجح أولًا في موطنه بين جمهوره القارئ على أن يسوّق للكاتب وللكتاب عبر التواصل مع العالم بمدّ الجسور بجميع أشكالها كالمسابقات والمهرجانات ومعارض الكتب، لكي تضاهي المصنفّات الأدبية العالمية في الطروحات والعلاقات أيضًا وذلك يتطلب تستدعي تضافر جهود المؤسسات والأفراد، باعتبار الترجمة واحدة من قنوات الأدب فما لم يستطيع القارئ قراءته بلغته يمكنه قراءته مترجمًا، و بناءً على ذلك يستوجب على المترجم أن ينظر إلى ما يفعل فهو هو ليس مترجم كلمات بل ناقل ثقافات، وبذلك يطمئن القارئ ويتخذ ممّا يقرأه مصدرًا لا يقلّ أهمية عن الكتاب الأصلي فالكتاب المترجم لابد أن تكون له صلاحية الكتاب الأصلي وذات الفاعلية والتأثير.
ثقافة القارئ
كما توصّل المشاركون في الجلسة بأن الترجمة قناة ووعاء ناقل، فمن يقرأ الترجمات هو إمّا قارئ شغوف بالقراءة أو كاتب مبدع، لاسيما أنها تضاعف حصيلة القارئ ثقافيًا وتوسّع من آفاق الكاتب، لأنّها تنقل له تجارب جديدة وأساليب لم يسبق له الاطلاع عليها وعندها تكون الترجمة بمثابة تمرين ودرس للمبدع؛ لكي يخوض كل جديد ومعاصر ويسلك أفقًا مختلفًا وفي هذا تجديدًا للأدب وربّما إنقاذًا له من الرتابة والانغلاق.