حين تقتل الشللية روح الإنجاز

بقلم ــ د. سعيد عبد الغني مقليها
لا تقتل الشللية الإنجاز بصخبٍ أو صراع، بل تفعل ذلك بهدوءٍ مقلق.
تتسلل إلى بيئة العمل على هيئة قربٍ غير مهني، وتحالفاتٍ صغيرة، حتى تتحول المؤسسة من مساحة عمل مشتركة إلى دوائر مغلقة لا يدخلها إلا “المقرّبون”.
في بيئة تسودها الشللية، لا يُقاس الأداء بالنتائج، بل بالموقع داخل الدائرة.
تُهمَّش الكفاءة، ويُستنزف الاجتهاد، ويشعر المجتهد أن جهده لا يكفي ما لم يكن محسوبًا على فريقٍ ما.
وهنا يبدأ تراجع الإنجاز؛ ليس لضعف الإمكانات، بل لانطفاء الحافز، وتلاشي الشعور بعدالة الفرص.
أما العلاقات، فهي الضحية الأكثر صمتًا.
تفقد الثقة معناها، ويحلّ الحذر محل التعاون.
يتحوّل الزميل إلى خصم محتمل، والفكرة إلى مخاطرة، والكلمة إلى حسابات.
تصنع الشللية قربًا مصطنعًا داخل الشلة، وبُعدًا حقيقيًا مع الآخرين، فتتفكك روح الفريق ويغيب الانتماء المهني الصادق.
وحين نبحث عن النتيجة نجد أن هناك بيئة عمل متعبة:
تقل فيها المبادرات، يضعف فيها الحوار، ويغادرها المبدعون نفسيًا قبل أن يغادروها فعليًا.
فلا إبداع ينمو في مناخ الإقصاء، ولا إنجاز يستمر في ظل الانقسام.
وعندما نريد أن نتخلص من الشللية فلا يكون بالشعارات، بل بحلول واضحة وحازمة، أهمها:
• قيادة عادلة لا تُجامل ولا تنحاز، وتُحاسب على الأداء لا العلاقات.
• معايير شفافة للتقييم والترقية تُعرف للجميع وتُطبق على الجميع.
• ثقافة فريق واحدة تُقدّم الهدف المشترك على الولاءات الضيقة.
• تمكين الحوار الآمن الذي يسمح بالاختلاف دون خوف أو تصنيف.
• تعزيز القيم المهنية التي تجعل الاحترام والتعاون أساس العلاقة، لا القرب الشخصي.
حين تُكسر الشلل،
تتنفس الفرق.
وحين تعود العدالة،
يعود الحماس.
وحين يشعر الجميع أنهم على أرضٍ واحدة،
تستعيد بيئة العمل روح الإنجاز…
ويصبح النجاح جهدًا جماعيًا، لا امتيازًا لفئة ما.



