عندما يمكِّن القائد

بقلم د. سعيد عبد الغني مقليه
عندما يُمكّن القائد مَن حوله، لا يتخلى عن دوره، ولا يبتعد عن الساحة، ولا ينسحب من المشهد؛ بل يختار أن يكون خلف الضوء ليمنحه لغيره. فالتمكين ليس انسحابًا، بل هو أعلى درجات الحضور. إنه حضور في القيم، وفي الثقة، وفي بناء الإنسان قبل بناء الإنجاز.
القائد المُمكِّن لا يرى الفريق أيدي تنفذ بل عقول تفكر، ولا ينظر للآخرين بوصفهم أدوات عمل، بل شركاء رحلة؛ لهم الحق في مساحة، وفي قرار، وفي محاولة، وفي خطأ، وفي تميز يستحق أن يذكر ويقدر لا أن يُقلق منه.
فالتمكين ليس تقنية إدارية فحسب؛ إنه فلسفة عميقة تُغيّر مركز الثقل من الفرد إلى الجماعة، ومن السلطة إلى الشراكة، ومن الأوامر إلى الإلهام.
القائد المُمكِّن… يُعلّم ولا يُملِي
هو الذي يقدم المعرفة ولا يحتكرها، يدرب ولا يسيطر، يفتح الأبواب ولا يغلقها باسم الخبرة.
إنه القائد الذي يدرك أن المنظمة تكبر حين يكبر أبناؤها، وتتسع حين تتسع قدراتهم، وتلمع حين تلمع تجاربهم، وأن النمو الحقيقي لا يحدث في ظل التقييد، بل في رحابة الحرية المنظمة.
القائد المُمكِّن… يثق قبل أن يطلب الثقة
لأن الثقة لا تُستجدى، إنما تُمنح ابتداءً.
ومن يمنح الثقة أولًا، سيحصد انتماء أقوى، وروح عمل أعلى، ومسؤولية أعمق.
وأعظم القادة ليسوا الذين يحققون الإنجازات بأيديهم، بل الذين يُمكِّنون الآخرين من تحقيقها… ثم يشرحون للعالم بكل تواضع: هذا فريقنا.
تمكين يصنع الفارق
عندما يُمكّن القائد فريقه، يتحول العمل من (وظيفة) إلى (رسالة)، ومن (مهام) إلى (قصة شخصية)، ومن (مجرد إنجاز) إلى (أثر يبقى).
حينها لا يعود الموظف يبحث عن الراتب فقط، بل يبحث عن بصمة، واعتبار، وتقدير، وحقه في أن يكون هو نفسه… لا نسخة مكررة من أحد.
ما بين القائد والبيئة
القائد الذي يمكّن يصنع بيئة عمل تتنفس إيمانًا بالإنسان، وتمنح مساحة للاقتراح، وللجدال الإيجابي، وللنقد الراقي، وللتجربة المبتكرة، وتحوّل الخطأ إلى درس لا إلى إدانة.
ولهذا؛ فإن المؤسسات التي تتقن التمكين لا تخشى المستقبل، لأنها تصنعه بأيدي أبنائها، وبعقولهم، وبطموحات لا تنتهي.
وختاما، عندما يُمكّن القائد، يصبح الأثر أكبر من قدرته الفردية، وأجمل من إنجازاته الشخصية، ويغدو نجاحه الحقيقي هو نجاح الآخرين من حوله.
فالتمكين ليس درسًا إداريًا…
بل قصة قيادة تصنع قادة جدد، وتترك أثرًا لا يمحوه الوقت، ولا تتجاوزه الأيام



