التخطيط الإستراتيجي… بوابة المنح وإكسير الثقة في المؤسسات غير الربحية

نبض الحدث ـ هناء القرني – باحثة في إدارة الأوقاف والمنظمات غير الربحية، جامعة الباحة
يشكل التخطيط الإستراتيجي اليوم حجر الزاوية في نجاح المؤسسات غير الربحية والوقفية، لا سيما تلك التي تعتمد على المنح بوصفها مصدراً رئيساً لتمويل مشاريعها التنموية. ومع اتساع حجم الاحتياجات المجتمعية وتنوع القضايا، أصبحت الجهات المانحة أكثر انتقائية، وأكثر حرصاً على توجيه أموالها نحو المؤسسات القادرة على تقديم أثر حقيقي مبني على نتائج قابلة للقياس. وهنا تبرز أهمية التخطيط الإستراتيجي كأداة عملية تحول المنح من مجرد دعم مالي إلى قوة دفع تنموية ذات أثر مستدام.
فالمنظمة التي تمتلك خطة إستراتيجية واضحة، تحدد أهدافها بدقة، وتعرف احتياجات مجتمعها، وتملك مؤشرات أداء تقيس التقدم، تُظهر للجهة المانحة أنها ليست مجرد منفذ للمشاريع، بل شريك قادر على تحويل التمويل إلى قيمة مجتمعية ملموسة. لم يعد معيار المنح مبنياً على النوايا أو العلاقات، بل على الجاهزية المؤسسية، وكفاءة الحوكمة، وقدرة المنظمة على إدارة الموارد باحتراف.
ويظهر أثر التخطيط الإستراتيجي في عدة مستويات. فهو أولاً يعزز مواءمة البرامج مع أولويات الجهات المانحة، من خلال فهم الاتجاهات التنموية وتحليل الفجوات، مما يضمن توافق المشاريع مع ما يبحث عنه المانحون. وثانياً يرفع كفاءة استخدام الموارد، إذ تسهم الخطط الإستراتيجية في توزيع المنح وفق أولويات واضحة، ما يقلل الهدر المالي ويزيد من قوة الأثر. كما يمنح التخطيط المنظمة القدرة على إعداد مقترحات منح قوية تستند إلى بيانات وأدلة، مما يجعل فرصها في الحصول على التمويل أعلى وأكثر تنافسية.
ولا يقف الأمر عند الحصول على المنحة؛ فالتخطيط الإستراتيجي يرسّخ كذلك ثقافة المتابعة والتقييم، والتي أصبحت اليوم مطلباً أساسياً لدى المانحين المحليين والدوليين. فعرض نتائج قابلة للقياس-لا سرد أنشطة فقط-يمهّد الطريق لشراكات مستمرة ومنح طويلة الأجل، ويمنح المؤسسة مصداقية راسخة في بيئة العمل غير الربحي.
وفي المحصلة، يثبت التخطيط الإستراتيجي أنه ليس رفاهية تنظيمية، بل ضرورة لتفعيل الأثر وتحقيق التنمية المستدامة. فكل ريال يُستثمر ضمن خطة مدروسة يضاعف قيمة المنحة، ويعزز ثقة المانحين، ويمنح المؤسسات غير الربحية والوقفية القدرة على خدمة المجتمع بكفاءة واقتدار.



