الإنسان بين العادة والعبادة

بقلم/مشاري محمد بن دليلة
كاتب في الشؤون الاجتماعية والثقافية
من رحمة الله بعباده أن جعل كل عمل يُبتغى فيه الأجر حتى وإن كان صغيراً يجازيه الله بعشرة أضعاف حتى وإن كان الأمر من المباحات وعمله العبد قربه لله عز وجل فإنه يدخل في الأجر والمثوبة من الله، ومصداقاً لذاك حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال:”مرَّ رجلٌ بمَكانٍ في شجرةٍ، فَأزَاحَ غُصنَ شوكٍ عن طريقِ النَّاسِ، فَدَخَلَ الجَنَّةَ”، إن النية بين العادة والعبادة هي مثل الشعرة متى ماتغيرت النية تبدل الحال وانعكس ذلك على الأعمال، مثل الإنسان الذي يصلي خمس صلوات في اليوم إذا انتقلت من العبادة إلى عادة لن يشعر بلذة وسوف يؤدي أركانها وواجباتها لأجل فرضها وقد يأخذ أدنى الكمال من الأجر، لكن عندما يرى أنها عبادة وأنه مقبل على الله عز وجل هنا سوف ينعكس على قلبه وجوارحه بالخشوع والخضوع والصلاة في وقتها ومع الجماعة ويتلذذ بتلك العبادة ويقبل عليها بعقله وفكره وتدبره فهنا قد يأخذ من الأجر الشيئ الكثير وينعكس أثر الصلاة على سلوكه وحياته، ومثل ذلك أيضا الصيام عندما نصومه لأجل فرضها وأنها عادة سنوية لن يشعر الصائم بلذة فتجد حظه من الصيام النوم والعطش والتعب فيذهب جلُّه وقته وهو مبتعد عن الأعمال الصالحة، أما الذي يرى أنها عبادة ويجزل الله لها العطاء من عنده وأن هذا الصوم أجره غير معلوم من الله فتجده يعمل من الصالحات الشيء الكثير ويجتهد في التقرب إلى الله لعله أن ينال الكنوز العظيمة، ومثلها عندما نذهب للوظيفة في كل يوم ونحن في قرارة أنفسنا أنها عادة يومية وهي مصدر رزق قد تذبل النفس وتتقاعس عن العطاء أوالخدمة والإنجاز وفد يحدث تعطيلاً للمعاملات ولكن عندما نرى أنها عبادة خدمة للمسلمين ابتغاء الأجر وتذليل الصعوبات لهم وهي مصدر رزق له ولأبنائه هنا سوف يجد ويجتهد ويقدم الغالي والنفيس فهو يبتغي الأجر من الله وسوف يحرص على ما كان حلالاً وقد يخدم الساعات الطوال وهو راضياً ويشعر بالاطمئنان وينعكس ذلك على سلوكه الوظيفي ، ومثلها عندما تبيع السيارة كعادة فقد تغض الطرف عن بيان حالها لكن عندما ترى أنها عبادة فهذه الدابة سوف يقتنيها مسلم هنا سوف تبتغي الأجر في البيان وقد تتنازل عن جزء من سعرها إذا صدقت النية وعلمت بحال المشتري فيجزل الله لك الأجر على صدق نيتك، ومثلها أيضا عندما يطلب منك والداك عملاً تقضيه لهما إذا رأيته كعادة سوف تعمل معهما وقد يصيبك التعب والاعتذار أو تحويلها لأحد إخوتك لقضاء حاجتهما أو التأفف ولكن عندما ترى أنها عبادة وهي سبب لدخول الجنة سوف تتسابق في خدمتهما في كل وقت وحين وتعمل بتلذذ وينعكس ذلك على نفسك وحياتك، ومثل ذلك المعلم عندما يصحو كل صباح ويذهب ليعلم الطلاب فهو معلم الناس الخير إذا رأى أنها كعادة يومية ويذهب ويقدم ثم يعود فهذا محروم، ولكن إذا استشعر أنه معلم الناس الخير وتستغفر له الحيتان في البحر كما ورد في الحديث وأن بتعليمه يرفع الجهل عن أبناء المسلمين ويكون مساهماً في وطنه هنا سوف تتغير النظرة الوظيفية وسوف يجتهد في التعليم والبذل والعطاء لإحداث الأثر وسوف ينعكس ذلك على مخرجاته فما كان لله يبقى أثره ويدوم، ومثلها الذين يعملون في الجمعيات الخيرية عندما يرى أنها مصدرٌ للرزق فقط سوف يبذل العمل القليل لكن عندما يرى أنها رسالة مجتمعية ومساندة الضعفاء سوف يبذل من نفسه وهو يستمتع ويتلذذ ويشعر برضاء نفسي عالي وينعكس ذلك على مضاعفة الخدمة في كل وقت وحين، ومثلها عندما الزوجان يكون بينهما من الفضل الشيئ الكثير وتأتيهم منغصات الحياة من مشكلات ، فعندما يرون الحياة كعادة فقد يتنازلون عن الحياة ببساطة ويفترقون فنظرتهم كانت لأنفسهم الضعيفة وشهوتها، ولكن عندما يرونها كعبادة لله فيلهمهم الله الصبر والحكمة فهم يسعون لتكوين الأسرة ولمِ شملها وقد تحرروا من ضعف أنفسهم وشهواتهم إلى بناء أسرة وعفة النفس والمساهمة في تنمية الوطن هنا سوف يتغير السلوك بين الزوجين إلى الرضى والقناعة والتصالح النفسي ، أخيراً أجعل لك في كل عمل نية عبادة وقربة لله فأنت سوف تُقدم على هذا العمل لا محالة فلاتحرم نفسك الأجر إذا كان العمل صالحاً أو من المباحات فاغتنم الأجر.
5/9/2025