الكلمة الإلكترونية بيئة خضراء

بقلم : د. مازن إسماعيل محمد
في زمن تتسارع فيه التحديات البيئية وتزداد الحاجة إلى وعي علمي مستدام، لم تعد المعرفة البيئية حكرًا على المختبرات أو القاعات الدراسية، بل أصبحت تنتشر عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تلعب الكلمة المنطوقة الإلكترونية (eWOM) دورًا محوريًا في تشكيل وعي الطلاب بقضايا البيئة، وتحفيزهم على تبني مفاهيم علمية متقدمة مثل الكيمياء الخضراء.
الكلمة المنطوقة الإلكترونية، وهي كل ما يُقال أو يُنشر رقميًا من تجارب وآراء وتوصيات، باتت وسيلة فعالة لنقل المعرفة البيئية بين الشباب. فطالب في كلية العلوم قد يشارك تجربته في تصنيع بلاستيك قابل للتحلل باستخدام نشا الذرة، ليشاهدها آلاف الطلاب عبر إنستغرام، ويتحول الفيديو إلى مصدر إلهام لتجارب مماثلة في جامعات أخرى. هذا النوع من التواصل العلمي غير الرسمي يعزز الفضول، ويشجع على التجريب، ويخلق مجتمعًا معرفيًا تفاعليًا يتجاوز حدود القاعات الدراسية.
في قلب هذا التحول المعرفي، تبرز الكيمياء الخضراء كأحد أهم فروع العلوم التي تسعى إلى حماية البيئة من خلال تصميم تفاعلات كيميائية تقلل من النفايات والسموم، وتستخدم مواد أولية متجددة. ورغم أن هذه المفاهيم قد تبدو معقدة، إلا أن المحتوى الرقمي التفاعلي – من فيديوهات قصيرة وإنفوجرافيك ومدونات علمية طلابية – ينجح في تبسيطها وتقديمها بلغة قريبة من الطلاب، مدعومة بتجارب واقعية.
أظهرت دراسة تطبيقية حديثة أجريت على طلاب جامعة عين شمس أن هناك علاقة قوية بين تعرض الطلاب لمحتوى eWOM البيئي وبين تبنيهم لمفاهيم الاستدامة، بما في ذلك الكيمياء الخضراء. الطلاب الذين شاهدوا محتوى علمي رقمي حول تقنيات التحفيز الكيميائي أو المواد القابلة للتحلل أبدوا استعدادًا أكبر لتطبيق هذه المفاهيم في مشاريعهم الدراسية، بل وشاركوا تجاربهم عبر المنصات الرقمية، مما عزز من انتشار المعرفة البيئية بين أقرانهم.
وفي سياقات محلية مثل السودان والسعودية، بدأت تظهر نماذج تعليمية تربط بين العلوم البيئية والتحديات المجتمعية، حيث يتم توظيف الكيمياء الخضراء في تطوير حلول زراعية مستدامة، مثل استخدام النانو محفزات لتحسين جودة التربة في المناطق الصحراوية، أو إنتاج وقود حيوي من مخلفات زراعية. هذه المبادرات، حين تُوثق وتُشارك عبر وسائل التواصل، تتحول إلى مصادر إلهام للطلاب في مختلف الدول، وتُعيد تعريف دور العلم في خدمة المجتمع.
الكيمياء الخضراء ليست مجرد نظريات، بل هي دعوة لإعادة التفكير في كيفية تعاملنا مع المواد والطاقة. وعندما تُنقل هذه الدعوة عبر منصات التواصل، فإنها تتحول إلى حركة معرفية يقودها الطلاب أنفسهم، من خلال مشاركة التجارب، طرح الأسئلة، وتحدي الممارسات التقليدية. هذا التفاعل الرقمي يخلق بيئة تعليمية جديدة، تتسم بالمرونة والانفتاح، وتمنح الطلاب دورًا فاعلًا في تشكيل مستقبلهم العلمي والبيئي.
في ضوء هذه التحولات، يدعو خبراء التعليم إلى دمج الكلمة المنطوقة الإلكترونية في المناهج البيئية، وتدريب الطلاب على إنتاج محتوى علمي رقمي، ليصبحوا ليس فقط متلقين للمعرفة، بل صانعين لها. كما يُقترح إنشاء منصات تعليمية تفاعلية تجمع بين العلوم البيئية، الكيمياء الخضراء، والتواصل الرقمي، لتشكيل جيل جديد من العلماء المؤثرين، القادرين على الربط بين النظرية والتطبيق، وبين المختبر والمجتمع.
وهكذا، يبدو أن مستقبل المعرفة البيئية لا يُكتب بالحبر فقط، بل يُنطق إلكترونيًا، ويُصاغ بلغة العلوم، ويُنشر عبر شبكات الطلاب. فهل نحن مستعدون لتبني هذا النموذج الجديد في التعليم البيئي؟