cccccccccccccccccccccccccccccccccccccccccccccccc cccccccccccccccccccccccccccccc

السعودية: الابتكار والتقنيات الحديثة تقود استراتيجية الأمن المائي

تُعد المملكة العربية السعودية من أكثر دول العالم شحًا في مصادر المياه، حيث تحتل المرتبة الثامنة عالميًا على مؤشر شح المياه. هذه الحقيقة، بالإضافة إلى استهداف المملكة لزيادة الاكتفاء الذاتي في قطاع الأغذية الذي يستهلك نحو 80% من المياه، يخلق معضلة تتطلب حلولًا جذرية. في مواجهة هذا التحدي، برز الابتكار والتقنيات الحديثة كركيزتين أساسيتين لتحقيق الأمن المائي وضمان استدامة الموارد.

ولمواجهة هذا الواقع، أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030، التي تركز على ترشيد الاستهلاك وتوطين التقنيات المائية. كما أطلقت الوزارة الخطة التنفيذية للبحث والابتكار بهدف تفعيل دور التقنيات في القطاع. وقد أثمرت هذه الجهود عن انخفاض ملحوظ في استخدام المياه الجوفية غير المتجددة، من 19 مليار متر مكعب في عام 2015 إلى 8.5 مليار متر مكعب في عام 2020، وهو ما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.

نظرة على قطاع المياه في المملكة

يشهد قطاع المياه السعودي نموًا سريعًا لمواكبة التوسع السكاني والعمراني. تبلغ الطاقة الإنتاجية اليومية حاليًا 11.5 مليون متر مكعب، تُنقل عبر شبكة أنابيب تتجاوز 127 ألف كيلومتر. يتم معالجة حوالي 2.1 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي. ويستهلك القطاع الزراعي 12 مليار متر مكعب، يليه القطاع الحضري بنحو 3.5 مليار، ثم الصناعي بحوالي 0.6 مليار. وتضم المنظومة الوطنية لضخ المياه أكثر من 60 محطة، مما يعزز كفاءة التوزيع والموثوقية.

 

خارطة طريق شاملة لإدارة المياه

ترسم الاستراتيجية الوطنية للمياه خارطة طريق شاملة لإدارة الموارد المائية في المملكة، بهدف تحقيق الأمن المائي والاستدامة البيئية والاقتصادية. تركز هذه الاستراتيجية على محاور رئيسية تشمل:

  • تحلية مياه البحر: تعزيز القدرات في هذا المجال.
  • إعادة استخدام مياه الصرف الصحي: زيادة الاستفادة منها بعد المعالجة.
  • خفض الفاقد من شبكات المياه: تحسين كفاءة التوزيع.
  • زيادة نسبة إيصال المياه للمستفيدين: ضمان وصول المياه لكافة المناطق.

وتشمل الاستراتيجية تفعيل دور التقنيات المتقدمة في تحلية المياه، الإدارة الذكية للفاقد، المعالجة المبتكرة لمياه الصرف، وتنمية مصادر المياه عبر تقنيات حصاد الأمطار والسيول. وتؤكد الوزارة التزامها بتسخير الابتكار لخدمة قطاع المياه من خلال خطتها التنفيذية للبحث والابتكار.

 

دور الابتكار في تحقيق المستهدفات الوطنية

أصبحت التقنية والابتكار ضرورة قصوى لتحقيق التطلعات الوطنية الطموحة لقطاع المياه. وقد تُرجمت هذه الأهمية في إطلاق المهام الوطنية للبحث والتطوير والابتكار في منتصف عام 2022، والتي تضمنت مهمة ابتكار في المياه تهدف إلى تقليل تكلفة إنتاج المياه وخفض استهلاك المياه الجوفية.

يؤكد تقرير خارطة تبني التقنيات في قطاع المياه على الحاجة الملحة للموازنة بين الاحتياجات المائية للمملكة وواقع شح الموارد، الذي يؤثر على الأمن المائي واستدامة الموارد. وإدراكًا لأهمية الابتكار، وضعت الوزارة خطة تنفيذية لتسريع تبني الحلول التقنية المبتكرة، بتحديد 45 تحديًا وفرصة، واختيار أكثر من 100 تقنية فردية ضمن 20 عائلة تقنية.

تم تقسيم هذه التقنيات إلى مجموعتين رئيسيتين:

  1. الموجة الأولى (ذات الأولوية العالية) حتى 2025: تشمل أنظمة التناضح العكسي المتقدمة، إدارة التسرب الذكية، معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف، الري المبتكر، والاستهلاك المبتكر للمياه في المنازل.
  2. الموجة الثانية: تستهدف تقنيات جديدة تمتد من 2025 حتى 2030.

لضمان نجاح هذه التطبيقات، طورت الوزارة مبادرات مؤسسية بالتعاون مع أكثر من 120 خبيرًا وصانع سياسات، بهدف تحسين التعاون، تحفيز الطلب على التقنيات، وبناء قدرات البحث والتطوير بمشاركة القطاعين الحكومي والخاص.

 

قصص نجاح محلية وإنجازات بارزة

تبرز العديد من قصص النجاح المحلية أثر الابتكار في قطاع المياه، منها:

  • تصميم وبناء الهيئة السعودية للمياه لمحطة تجريبية لصفر رجيع ملحي باستخدام التناضح العكسي، تركز على استخلاص معادن اقتصادية مثل كلوريد الصوديوم، البروم، والمغنيسيوم من مياه البحر.
  • إطلاق شركة نيوم للطاقة والمياه (إينووا) لمشروع رائد يعتمد تقنية تبلور الأغشية الحاصلة على براءة اختراع، مما خفض استهلاك الطاقة بأكثر من 10 أضعاف (من 75 إلى 7 كيلو واط/م³).

كما حقق قطاع المياه في المملكة إنجازات هامة، مثل الانخفاض الكبير في استخدام المياه الجوفية غير المتجددة من 19 مليار متر مكعب في 2015 إلى 8.5 مليار متر مكعب في 2020، بفضل تحسين ممارسات الري وتدابير استباقية تجاه إنتاج الأعلاف والقمح. وتحسنت كفاءة إنتاج تحلية المياه بشكل ملحوظ عبر الاستبدال التدريجي للمحطات القديمة بتقنيات حديثة.

 

المملكة تقود الابتكار العالمي في تحديات المياه

تأكيدًا لالتزامها بالاستدامة المائية، أعلنت المملكة في عام 2023 عن تأسيس المنظمة العالمية للمياه، وتم توقيع ميثاقها في مايو 2025. تهدف المنظمة إلى تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه بشكل شمولي، عبر تبادل وتعزيز التجارب التقنية والابتكار والبحوث والتطوير.

وفي نهاية العام الماضي، أعلنت المملكة عن إنشاء مركز دولي لأبحاث المياه بالشراكة بين وزارة البيئة والمياه والزراعة وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست). يهدف المركز إلى دعم الأبحاث متعددة التخصصات، وتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي الدولي في علوم المياه، بما يضمن الوصول المستدام إلى موارد المياه للأجيال الحالية والمقبلة من خلال حلول مبتكرة.

يركز دور المركز على دعم التنمية والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية عبر تعزيز توافر المياه، وأحدث الأبحاث في إدارة الموارد المائية، ومعالجة قضايا ندرة المياه، وتطوير تقنيات متقدمة لمواجهة التحديات العالمية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى