رمضان في ذاكرة الزمن الجميل!
الحلقة الثانية:

بقلم: عيسى المزمومي
يُعتبر شهر رمضان من أكثر الأشهر قدسية في التقويم الإسلامي، إذ يجسد فترة من التأمل الروحي، والتقرب إلى الله، وممارسة قيم الصبر والإحسان.
ومع دخولنا اليوم الثاني من هذا الشهر الكريم، بات واضحًا أن الكثيرين في العصر الحديث يبتعدون عن جوهره الروحي، وينشغلون بملذات الحياة المادية، في ظاهرة تستدعي التأمل والتساؤل: كيف تحوّل رمضان من موسم للعبادة إلى مناسبة استهلاكية تهيمن عليها المظاهر والرفاهية؟!
كان رمضان في الماضي شهرًا يمتزج فيه الصيام بالبساطة والتأمل والتراحم، لكن في السنوات الأخيرة، تغيّرت الأولويات الاجتماعية، فأصبح الترفيه والتسوّق والمآدب الفاخرة أكثر جاذبية من التأمل الروحي والتعبد. يشعر البعض أنهم إن لم يستغلوا الشهر في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، فإنهم يفقدون شيئًا من التجربة الرمضانية، مما أدى إلى نظرة سطحية حول معناه الحقيقي!
في المجتمعات التي تركز على الاستهلاك، يتزايد الضغط على الأفراد لإنفاق المزيد خلال رمضان، سواء على المأكولات الفاخرة أو المظاهر الاجتماعية. تتحوّل موائد الإفطار من وسيلة للتقرب والتشارك إلى استعراض للثراء والمكانة، مما يشتت الانتباه عن مقاصد الصيام الحقيقية، التي تقوم على التواضع والشعور بمعاناة المحتاجين.
وسط زحام الحياة والضغوط اليومية، قد يتحول الصيام إلى عادة روتينية، تُمارس دون وعي بأبعادها الروحية. بدلاً من أن يكون وسيلةً للتطهير الذاتي والتقرب من الله، يصبح مجرد التزام جسدي لا ينعكس على الروح والسلوك. وهذا الانفصال بين الشكل والمضمون يجعل رمضان بالنسبة للكثيرين مجرد فترة مؤقتة من الامتناع عن الطعام، دون أن يكون محطة للتغيير والتأمل!
تلعب وسائل الإعلام دورًا بارزًا في تشكيل وعي الناس حول رمضان، حيث تروّج الإعلانات التجارية لصورة استهلاكية للشهر، تجعل منه موسمًا للتسوق والولائم والمسلسلات، بدلاً من كونه فرصة للارتقاء الروحي. هذا التوجه يرسّخ فكرة أن رمضان هو شهر “العروض الخاصة” وليس شهر الرحمة والتقوى.لإعادة إحياء روحانية رمضان، لا بد من إعادة النظر في أولوياتنا، والبحث عن طرق تعزز قيمه الحقيقية. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
*التأمل في معاني الصيام: إدراك أن الجوع ليس مجرد انقطاع عن الطعام، بل وسيلة لإدراك معاناة الفقراء وتنمية الشعور بالتعاطف.
*التوازن بين الماديات والروحانيات: الاعتدال في الإنفاق، والابتعاد عن المبالغة في الاستهلاك، والتركيز على جوهر الشهر بدلاً من مظهره.
*إحياء العبادات بوعي: تحويل الصيام إلى تجربة روحية متكاملة تشمل الصلاة، والذكر، والعطاء، وليس مجرد تقليد اجتماعي.
*استخدام الإعلام بشكل إيجابي: نشر محتوى يركز على القيم الرمضانية الأصيلة بدلاً من الترويج للماديات.
رمضان ليس مجرد فترة زمنية في السنة، بل هو فرصة ذهبية لإعادة اكتشاف ذواتنا، وإعادة ترتيب أولوياتنا، والتقرب إلى الله بوعي وإخلاص. وبينما تزداد المغريات المادية من حولنا، يبقى السؤال الأهم: كيف نعيش رمضان كما ينبغي، بعيدًا عن الاستهلاك واللهو، و بقلبٍ ممتلئ بالإيمان؟!
فلنجعل هذا الشهر نقطة تحول، نعيد فيها الاتصال بروحانيته العميقة، ونوازن بين متطلبات الحياة الحديثة وقيمنا الروحية، حتى لا يضيع جوهر رمضان في زحام الحياة!