تقرير ساكسو بنك: الطريق المضطرب للنفط الخام نحو عام 2030 والفرص التي يتيحها

أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك
يدخل سوق النفط عام 2026 بمزيج غير معتاد من الارتياح قصير الأمد والقلق طويل الأمد. فعلى السطح، يبدو أن الإمدادات وفيرة: فقد ارتفعت المخزونات، وتباطأ نمو الطلب، وتداولت أجزاء من المنحنى بدرجة من الليونة تكفي لإبقاء المتعاملين ذوي التركيز الكلي مطمئنين. لكنّ ما وراء هذا الهدوء الظاهر يكمن توترٌ هيكلي أعمق أصبح أكثر وضوحاً خلال الأشهر الأخيرة: إذ لا يزال العالم بحاجة إلى كميات ضخمة من الإمدادات الجديدة من النفط على مدى العقود المقبلة، فيما تبدو مستويات الأسعار الحالية غير كافية على الأرجح لتحفيز هذا الاستثمار.
يظهر هذا التوتر جلياً في الطريقة التي يتعامل بها السوق مع الفائض المفترض للعام القادم. فقد أثار توقع الوكالة الدولية للطاقة لفائض محتمل يبلغ 4 ملايين برميل يومياً في 2026 الكثير من الجدل، إلا أنه لا يزال من الصعب العثور على دلائل لهذا الفائض الكبير في تسعير السوق الفعلي. فحدوث تخمة حقيقية عادةً ما يدفع منحنى العقود الآجلة للدخول في كونتانغو عميق، ويعزّز جدوى التخزين، ويؤدي إلى تراكمات واضحة في المخزونات عبر المراكز الرئيسية. حتى الآن، لا يزال المنحنى مسطحاً نسبياً، ولا يتحوّل إلى كونتانغو قبل أكتوبر من العام المقبل، ما يشير إلى أنه رغم احتمال ثِقَل الربع الأول مع استيعاب السوق للفائض المخزني المتراكم أواخر 2025، فإن الأسعار لا تعكس وجود فائض هيكلي. بكلمات أخرى، قد نشهد فترة ضعف، لكن دون تكرار اختلال 2020–2021.
أكثر التطورات أهمية تتمثّل في التحوّل البارز للوكالة الدولية للطاقة في نظرتها للطلب. فقبل بضعة فصول فقط، كانت الوكالة تكرر سيناريوهات بلوغ ذروة الطلب قبل 2030. أما أحدث تقاريرها طويلة الأمد فتمثل خروجاً واضحاً عن ذلك التفكير: فباستثناء تغييرات سياسية حادة للغاية، يُتوقّع الآن أن يواصل الطلب العالمي على النفط الارتفاع إلى ما بعد 2040 وربما يقترب من 2050.
هذا التعديل جوهري لأنه يجبر السوق على التوفيق بين حقيقتين متعارضتين:
العالم لا يزال يستهلك نحو 102–103 ملايين برميل يومياً،
والحقول القائمة تتراجع بمعدل ثابت قاسٍ يبلغ 6–8 ملايين برميل يومياً سنوياً.
يعد معدّل التراجع هذا القوة الأكثر تأثيراً في السوق—والأقل تقديراً. فهو يعني عملياً أن الصناعة العالمية تحتاج إلى “تعويض إنتاج بحجم السعودية” كل عامين تقريباً لمجرد الحفاظ على الإنتاج مستقراً. ومن هذا المنظور، تبدو فكرة الفائض المستقبلي أكثر هشاشة. إذ ترى الوكالة أن العالم سيواجه هبوطاً ضخماً وسريعاً في الإمدادات مطلع الثلاثينيات إذا فشلت الصناعة في استثمار نحو 500 مليار دولار سنوياً للحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية. هذه الفجوة هي جوهر قصة الأسعار طويلة الأمد: فإذا لم يكافئ السوق الاستثمار اليوم، فسيضطر إلى مواجهة الندرة غداً.
لا تقدّم الطاقة الفائضة سوى قدر محدود من الطمأنينة. فالسعودية والإمارات تظلان المنتجين الرئيسيين الوحيدين القادرين على رفع الإمدادات بسرعة، وهما تعملان حالياً بالقرب من طاقتهما القصوى، ما يقلّص بطبيعة الحال هامش الأمان. وتظهر هشاشة السوق الحقيقية إذا تباطأ الإنتاج خارج أوبك+، خصوصاً في الأميركيتين. فالبرازيل وغيانا كانتا محركين مهمين للنمو، لكن وتيرة توسعهما ستتراجع في نهاية المطاف، فيما يبدأ إنتاج النفط الصخري الأمريكي—الذي ظل مستقراً عند نحو 10.6 ملايين برميل يومياً—بإظهار بوادر تسطّح.
تكمن الأهمية في أن النفط الصخري لعب لعقد كامل دور “المورّد عند الطلب” للعالم. وإذا فقد هذا الدور، سيصبح النظام بأكمله أكثر اعتماداً على مجموعة ضيقة من المنتجين—وبالتالي أكثر حساسية لإشارات الأسعار. والنمو البالغ نحو 360 ألف برميل يومياً خلال العام الماضي غير مرجّح أن يتكرر، إذ تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية استقرار الإنتاج الأمريكي في 2026، وربما، برأيي، انخفاضه إذا بقي خام غرب تكساس دون 60 دولاراً لعام إضافي.
أما ما يُعرف بـ “عوامل عدم اليقين”، إيران وروسيا وفنزويلا، فلا تغيّر الصورة كثيراً. فروسيا مقيدة بالعقوبات وبالوصول المحدود للتكنولوجيا وتراجع الإنتاجية في المنبع. وفنزويلا تمتلك موارد ضخمة لكن تفتقر للبنية التحتية والاستقرار السياسي ورأس المال اللازم لاستعادة الإنتاج بشكل مؤثر قريباً. وإيران هي المنتج الوحيد الذي يمتلك طاقة صعودية ملموسة، إذ سبق أن وصلت إلى إنتاج يقارب 3.8 ملايين برميل يومياً مقابل نحو 3.4 ملايين برميل حالياً. وحتى لو استعادت تلك الطاقة، فستظل الزيادة هامشية مقارنة بمعدّل التراجع السنوي، فضلاً عن توقعات الطلب في الأجل المتوسط.
بصورة عامة، لا يقدّم عام 2026 صورة فائض مريح بقدر ما يزرع بذور شحّ قادم. قد لا يكون تراجع الأسعار في الربع الأول مفاجئاً، لكنه سيمثل ضوضاء قصيرة الأمد لا توازناً طويل الأمد. فالحقيقة الهيكلية بسيطة: سيتطلب منع أزمة إمدادات مطلع الثلاثينيات استمرار الاستثمار، ولن يتحقق ذلك إلا إذا بقيت الأسعار مرتفعة بما يكفي لدعم مشاريع المنبع طويلة الدورة.
وعليه، على السوق أن يختار بين مسارين:
إما السماح للأسعار بالارتفاع تدريجياً، لدعم عمليات الحفر والتوسع في المنبع والمشاريع طويلة الأجل اللازمة خلال العقد القادم، أو مواجهة ارتفاعات أعنف لاحقاً مع هيمنة عامل الندرة. وحتى في ظل فائض قصير الأجل، فإن تأجيل الاستثمار يزيد من حدة الشح المستقبلي. الرسالة الأساسية ليست أن فائضاً يلوح في أفق 2026، بل أن تلبية الطلب المستقبلي تتطلّب بيئة أسعار أعلى بشكل مستدام. وكلما ظهر هذا الإحساس السعري مبكراً، انخفضت ذروة الأسعار النهائية لاحقاً. فاندفاع غير منظم في أسعار النفط لا يخدم أحداً، حتى المنتجين الذين يعتمد اقتصادهم على النفط، لأنه يسرّع التحول نحو البدائل، ويشدّد الأوضاع المالية، ويهدد بعودة التضخم إلى جانب تباطؤ النمو.
التعامل مع الشح طويل الأمد: التموضع للاستفادة من أسعار نفط أعلى
بالنسبة للمستثمرين الراغبين في الاستفادة من ارتفاع هيكلي في أسعار النفط الخام، تظل شركات النفط الكبرى المتكاملة المسار الأكثر مباشرة وسيولة. فالقطاع لا يزال يُتداول عند تقييمات معتدلة مقارنة بالأسواق الأوسع، إذ تعكس مضاعفات الأرباح سيناريو يُفترض فيه ركود الطلب طويل الأمد. لكن التحوّل في رؤية الوكالة الدولية للطاقة بعيداً عن سرديات الذروة المبكرة يتحدى هذا الافتراض، ومع الجمع بين التقييمات المنخفضة والتدفقات النقدية الحرة القوية، تصبح الشركات الكبرى المستفيد الطبيعي من بيئة أسعارٍ أقوى.
أكبر خمس شركات متكاملة، إكسون موبيل، شيفرون، شل، بي بي، وتوتال إنرجيز، تقدّم تعرّضاً متنوعاً عبر المنبع والمصب والأصول منخفضة الكربون. وتتيح عمليات المنبع استفادة مباشرة من ارتفاع الأسعار، بينما تعزّز أنشطة التكرير والتسويق استقرار الأرباح. ومع انضباط النفقات الرأسمالية وتركيز واضح على توزيعات الأرباح وإعادة الشراء، فإن هذه الشركات في موقع جيد في حال ارتفاع الأسعار بما يتماشى مع التوجه الهيكلي.
وللحصول على تعرّض أوسع، يمكن للمستثمرين النظر في الصناديق المتداولة للقطاع النفطي. فـXLE وIOGP توفّران تغطية واسعة لشركات المنبع والمتكاملين، بينما يقدّم XOP بديلاً عالي التقلب من خلال شركات الاستكشاف والإنتاج. وتوفّر هذه الأدوات تعرّضاً متنوعاً وسائلاً لقطاع لا يزال جذاباً من حيث التقييم مقارنة بالمعايير التاريخية وقطاعات السلع الأساسية الأخرى.
وإذا اتجه السوق نحو نظام سعري أعلى وأكثر استدامة—كما توحي أساسيات العرض والطلب—فإن قطاع أسهم الطاقة يقدّم طريقة متوازنة للمشاركة، جامعاً بين الدخل والتعرّض لسوق نفطي يزداد شحّاً بشكل هيكلي.



