تقرير السلع الأسبوعي: ارتفاع المعادن والسلع الخفيفة في أغسطس مقابل تراجع الطاقة والحبوب

قال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك: تميز شهر أغسطس حتى الآن بصراع بين عوامل دعم من جانب العرض في أجزاء من سوق السلع، وضغوط كلية ناجمة عن ضعف البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة ودول أخرى في العالم.
دفعت بيانات التضخم الأمريكية الأخيرة، ممثلة في مؤشر أسعار المنتجين لشهر يوليو الذي جاء أعلى من المتوقع، الأسواق إلى إعادة حساباتها بشأن الفيدرالي. وبعد يوم واحد من دعوة وزير الخزانة سكوت بيسنت إلى خفض قوي للفائدة بمقدار 150 نقطة أساس، خففت البيانات من الحديث عن خطوة كبيرة في سبتمبر، وأصبح السوق يسعر الآن خفضاً متواضعاً بمقدار 25 نقطة أساس.
ورغم ذلك، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات خلال الشهر، مع انخفاض أكبر في عوائد السندات لأجل عامين، في ظل التوقعات بخفض وشيك للفائدة وتوقعات بأن الرئيس الجديد للاحتياطي الفيدرالي، الذي سيخلف جيروم باول مطلع العام المقبل، سيكون أكثر ميلاً للمطالبة بالتخفيضات التي يسعى إليها الرئيس دونالد ترامب وبيسنت. وبعد فترة وجيزة من القوة الشهر الماضي، عاد الدولار الأمريكي ليستأنف تراجعه أمام العملات الرئيسية، خاصة الجنيه الإسترليني والين الياباني واليورو.
ساعد هذا المزيج – انخفاض العوائد وتراجع الدولار –حتى الآن في دعم الأصول الاستثمارية غير المولدة للعائد مثل المعادن، مع تركز الطلب على الفضة والبلاتين والنحاس، بينما ظل الذهب عالقاً في نطاق متوسط بانتظار المحفز التالي.
بشكل عام، بدأت البيانات الاقتصادية الأمريكية، التي كانت قوية مؤخراً، تُظهر علامات ضعف، لتنضم إلى اقتصادات أخرى تشير مؤشرات مديري المشتريات العالمية فيها إلى تباطؤ الزخم في أجزاء من أوروبا وآسيا. وأظهرت بيانات الصين يوم الجمعة تباطؤاً واسع النطاق في يوليو، ما يعكس تأثير حملة بكين للحد من فائض الطاقة الإنتاجية في قطاعات مثل الصلب والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، إضافة إلى الأحوال الجوية القاسية، وتداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب.
لا يزال سوق النفط يركز على التفاعل بين تخفيضات توقعات الطلب وسياسة الإمدادات لدى أوبك+، بينما في القطاع الزراعي أثار تقرير العرض والطلب العالمي للزراعة (WASDE) الأخير تحركات حادة في أسعار الحبوب. أما السلع الخفيفة، بقيادة القهوة، فقد كانت الرابح الأبرز بفضل العوامل الجوية والسياسات الخاصة بكل سوق.
ملخص قطاع السلع
تراجع مؤشر بلومبرغ الإجمالي للسلع للعائد الكلي بنحو 1% منذ بداية الشهر، لتتقلص مكاسبه منذ بداية العام إلى 4% فقط، مع قوة السلع الخفيفة والمعادن الصناعية والمعادن الثمينة التي عوضت خسائر الحبوب وقطاع الطاقة.
تفوقت السلع الخفيفة بفضل المخاوف المناخية، وانخفاض المخزونات في البورصات، وعدم اليقين السياسي في الدول الرئيسية المنتجة. المعادن الصناعية تلقت دعماً من انحسار المخاوف من الرسوم الجمركية وتعطل إمدادات النحاس في تشيلي، بينما سلطت كارثة بيئية في منجم مملوك للصين في زامبيا الضوء على التحديات في تأمين المعادن اللازمة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، مع كون النحاس الناقل الأساسي. أما المعادن الثمينة، فقد تفوقت الفضة والبلاتين على الذهب العالق في نطاق سعري، بفضل ارتباطهما بالصناعة وتوقعات بانخفاض المعروض.
في المقابل، تعرضت الحبوب، بقيادة الذرة والقمح، لضغوط بفعل توقعات وزارة الزراعة الأمريكية بمحصول ذرة قياسي، بينما عانى قطاع الطاقة من تراجع نمو الطلب، وارتفاع المخزونات، واستمرار أوبك+ في التراجع عن تخفيضات الإنتاج باتجاه سوق قد يعاني من فائض في المعروض.
الطاقة: ارتفاع الإمدادات وضغوط الاقتصاد الكلي
عانت أسعار النفط الخام في أغسطس، مع تراجع خام برنت وغرب تكساس الوسيط بأكثر من 7% وتداولهما قرب أدنى مستويات في شهرين. حيث خفض تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير توقعاته لنمو الطلب في 2024، مشيراً إلى ضعف النشاط الصناعي وتباطؤ استهلاك وقود النقل. وفي الوقت نفسه، أكدت أوبك+ خططها لإلغاء جميع تخفيضات الإنتاج الطوعية بحلول سبتمبر، ما يعيد كميات من النفط إلى سوق بدأت تُظهر مؤشرات فائض.
لكن من الجدير بالذكر أن جزءاً صغيراً فقط من زيادة الإنتاج المتفق عليها بين ثمانية أعضاء في أوبك+ بمقدار 2.5 مليون برميل قد تم تنفيذه حتى الآن، ويرجع ذلك إلى التزام المنتجين الذين تجاوزوا حصصهم مؤخراً، وإلى صعوبة زيادة الإنتاج لدى بعض المنتجين، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب المحلي الصيفي لدى المنتجين، مما قلص الكميات المخصصة للتصدير.
كما ساهمت المخاوف من العقوبات الثانوية على الإمدادات الروسية وقيام الصين بتخزين النفط – الذي ارتفع وفقاً للوكالة بمعدل 900 ألف برميل يومياً في الربع الثاني – في دعم الأسعار نسبياً.
ارتفعت المخزونات التجارية في الولايات المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بينما بلغت معدلات تشغيل المصافي مستويات موسمية مرتفعة، وتراجعت هوامش المنتجات – خصوصاً الديزل.
ومع تضييق الفارق الزمني (Backwardation)، يشير السوق إلى تراجع القلق بشأن شح الإمدادات على المدى القصير. أما علاوة المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بلقاء ترامب–بوتين في ألاسكا، فأصبحت عاملاً ثانوياً، ما لم تنهار المحادثات بشكل مفاجئ، فإن الضغوط الكلية من توقعات الطلب قد تحد من أي موجات صعود، مع احتمال مواجهة برنت صعوبة في تجاوز مستوى 70 دولاراً للبرميل.
كان الغاز الطبيعي الأمريكي – المعروف بتقلبه – الأضعف أداءً هذا الشهر، حيث سجل انخفاض بأكثر من 8%.
حيث استمرت عمليات الحقن في المخزونات بوتيرة تفوق المتوسط لخمس سنوات، لتظل المخزونات أعلى من المستويات الطبيعية بنسبة 6.6% لهذا الوقت من العام. في غياب موجة حر متأخرة أو إعصار كبير يعرقل الإنتاج في خليج المكسيك، ستحد وفرة المخزونات من فرص الصعود، رغم أن تقلبات الطقس قد تعيد النشاط سريعاً.
المعادن الثمينة: الفضة تتفوق على الذهب
انخفض الذهب في البداية بعد صدور بيانات مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي الأقوى من المتوقع، في ظل تكهنات بأن ذلك قد يضعف توقعات خفض الفائدة عبر الإشارة لاحتمال ارتفاع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي لشهر يوليو، ما قد يدفع الفيدرالي للحذر. ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج قد يضغط على هوامش أرباح الشركات أو يُنقل إلى المستهلكين، مما يضيف ضغوطاً تصعيدية على مؤشر أسعار المستهلك.
لكن هذه البيانات لا تغير من رؤيتنا طويلة الأمد المتفائلة تجاه الذهب، إذ سيتعين على لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية في نهاية المطاف الموازنة بين السيطرة على التضخم ودعم الاقتصاد. في الوقت الحالي، يظل الذهب عالقاً في نطاق سعري قدره 200 دولار حول مستوى 3,350 دولاراً للأونصة. ومع ذلك، بقي الطلب عبر الصناديق المتداولة في البورصة قوياً، مسجلاً أعلى مستوى في عامين عند 2,878 طناً (بلومبرغ)، ما يشير إلى بقاء السرد طويل الأمد الإيجابي قائماً، والقائم على توقعات التيسير النقدي ومخاطر الركود التضخمي.
التركيز في المدى القريب سينصب على بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي لشهر يوليو وانعكاساتها على اجتماع سبتمبر للفيدرالي، إضافة إلى الاجتماع السنوي لمحافظي البنوك المركزية في جاكسون هول خلال الفترة 21–23 أغسطس.
أما الفضة، فقد تفوقت على الذهب هذا الشهر بارتفاع يقارب 4%، مدعومة بدورها المزدوج كمعادن ثمينة وصناعية، مع توقعات أقوى للطلب الصناعي واحتمالات انخفاض المعروض، إلى جانب الشراء الفني مع اقتراب نسبة الذهب–الفضة من أدنى مستوى لها الشهر الماضي قرب 86. السوق لا يزال حساساً لتغيرات بيانات التصنيع العالمية ومسار الدولار الأمريكي، لكن الفضة تحتفظ بهامش صعود أكبر من الذهب في بيئة ضعف الدولار. فنياً، يبقى مستوى 35 دولاراً دعماً أساسياً، مع حاجة لاختراق مستدام فوق 38.50 دولاراً قبل استهداف المستوى النفسي عند 40 دولاراً.
المعادن الصناعية: انحسار ضوضاء السياسات وعودة التركيز على الأساسيات
استقر النحاس بعد اضطرابات الرسوم الجمركية في يوليو، التي شهدت انخفاض الأسعار الأمريكية مقارنة بلندن نتيجة توقعات فرض رسوم على أشكال رئيسية من المعادن المكررة المستوردة. التوضيحات والإعفاءات الجزئية ساعدت على تقليص الفجوة بين بورصتي كومكس وبورصة لندن للمعادن، مما أعاد التركيز إلى العوامل الأساسية. بيانات التجارة الصينية الأخيرة أشارت إلى بعض الاستقرار في الواردات، بينما تظل مشكلات الإمدادات من المناجم في أمريكا الجنوبية تحت المراقبة.
الحبوب: تقرير WASDE يعيد رسم المشهد
أحدث تقرير وزارة الزراعة الأمريكية (WASDE) لشهر أغسطس صدمة في سوق الحبوب. تراجعت العقود الآجلة للذرة بشكل حاد إلى أدنى مستوياتها التعاقدية بعد أن توقعت الوزارة حصاداً قياسياً قدره 16.7 مليار بوشل، مدفوعاً بزيادة المساحات المزروعة والطقس الصيفي المواتي. كما عززت توقعات ارتفاع المخزونات النهج البيعي، وتحول منحنى العقود الآجلة إلى هيكل “كاري” أكثر راحة، مما يدعم بشكل غير مباشر المضاربين الذين يحتفظون بالفعل بمراكز بيع صافية مرتفعة.
تحركت أسعار فول الصويا في الاتجاه المعاكس، مدعومة بتقديرات محصول أقل من المتوقع وميزان عرض وطلب أكثر ضيقاً. ورغم أن المكاسب كانت محدودة مقارنة بالتراجع في الذرة، فإن السوق يحتفظ بعلاوة مخاطر قبيل موسم الزراعة في أمريكا الجنوبية، حيث ستكون التطورات الجوية المبكرة حاسمة. كما أن المفاوضات التجارية المستمرة مع الصين تبقى تحت المراقبة، خاصة بعد أن حث ترامب الصين على زيادة مشترياتها من فول الصويا الأمريكي أربع مرات.
القمح تبع الذرة هبوطاً، مسجلاً أدنى مستوى تعاقدي، مع وفرة الإمدادات العالمية – خصوصاً من منطقة البحر الأسود وأوروبا – مما يبقي المنافسة التصديرية قوية. ورغم وجود مخاوف جودة في أجزاء من أوروبا وفرت بعض الدعم المحلي، فإنها لم تكن كافية لتعويض الصورة العامة السلبية للمعروض، والتي قد تدفع على المدى القصير إلى انخفاض الإمدادات مع إحجام المزارعين عن البيع بسبب تدني الأسعار.
السلع الخفيفة: البن في الصدارة
برز بن أرابيكا بوضوح في أغسطس، ليسجل ارتفاع بأكثر من 10% منذ بداية الشهر. جاء هذا الصعود بفعل مزيج من المخاوف المتعلقة بالأحوال الجوية في البرازيل، وانخفاض المخزونات المعتمدة في البورصات، وبعض عدم اليقين المرتبط بالرسوم الجمركية الذي زاد من اهتمام المضاربين. السوق لا يزال حساساً لتغير توقعات الطقس في البرازيل ولوتيرة الصادرات.
كما سجل السكر مكاسب طفيفة، مدعوماً بعدم اليقين السياسي في الهند، حيث قد تؤدي القرارات المتعلقة بحصص التصدير إلى تشديد المعروض العالمي. ورغم أن الإنتاج من منطقة الوسط-الجنوب في البرازيل كان قوياً، فإن التوازن بين الإنتاج المرتفع والقيود على الصادرات في أماكن أخرى يبقي الأسعار مدعومة.